المغرب بين التطبيع ودعم فلسطين: معادلة معقّدة تختبرها حرب غزة والخصومة مع الجزائر
بين ضغوط الداخل وحسابات الإقليم، يجد المغرب نفسه أمام معادلة معقدة: كيف يحافظ على شراكته المتنامية مع إسرائيل دون خسارة عمقه الشعبي ومكانته التقليدية في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
جدل متجدد في الداخل المغربي
أثار حفل ديني أُقيم في مدينة الصويرة في سبتمبر الماضي موجة من النقاشات بعدما رفع أحد الحاخامات المغاربة دعوات لصالح الجنود الإسرائيليين ولإطلاق سراح المختطفين في غزة. الحدث أعاد إلى الواجهة حساسية العلاقة بين المغرب وإسرائيل، خصوصًا في ظل استمرار الحرب في القطاع وما تثيره من احتجاجات في الشارع المغربي.
منذ هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر 2023 وما تبعه من رد عسكري واسع من إسرائيل، يجد المغرب نفسه أمام معادلة دقيقة: المضي في مسار التطبيع من جهة، والحفاظ على التزامه التاريخي تجاه القضية الفلسطينية من جهة أخرى.
التطبيع: من الاتصالات السرية إلى الشراكة الاستراتيجية
لم يبدأ التقارب بين الرباط وتل أبيب مع اتفاقيات أبراهام عام 2020، بل تعود جذوره إلى تسعينيات القرن الماضي عندما افتتح مكتب اتصال إسرائيلي في المغرب قبل أن يُغلق مع اندلاع الانتفاضة الثانية.
لكن منذ توقيع الاتفاقيات برعاية أميركية، اكتسبت العلاقات طابعًا مؤسساتيًا عميقًا. شمل ذلك التعاون العسكري والاستخباراتي، وصولًا إلى صفقات بمئات الملايين لشراء أنظمة دفاع جوي متقدمة وطائرات مسيّرة. وبحسب تقارير، أصبح المغرب ثالث أكبر مشترٍ للسلاح الإسرائيلي بين 2021 و2024.
كما توسع التعاون الاقتصادي ليشمل التكنولوجيا والطاقة والزراعة، فيما ارتفع حجم المبادلات التجارية إلى مستويات غير مسبوقة.
فلسطين بين الخطاب الرسمي وضغط الشارع
يحتفظ المغرب بموقع خاص في دعم الفلسطينيين؛ فالملك محمد السادس يرأس “لجنة القدس” منذ أكثر من عقدين، والرباط احتضنت مرارًا مؤتمرات عربية وإسلامية بشأن القضية.
إلا أن استمرار التطبيع يضع الحكومة أمام انتقادات متصاعدة من أحزاب المعارضة، خاصة ذات المرجعية الإسلامية، ومن منظمات مدنية مثل “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”. وفي الوقت نفسه، تحرص المؤسسة الملكية على تأكيد موقفها الثابت من “حل الدولتين” ورفض أي اعتداء على غزة.
الجزائر والتوازن الإقليمي
يبقى البعد الإقليمي حاضراً بقوة. فالتوتر المزمن بين المغرب والجزائر يجعل من التعاون العسكري المغربي–الإسرائيلي ورقة حساسة. ترى الجزائر أن الشراكة بين الطرفين تهديد مباشر لأمنها، بينما يعتبر محللون أن الرباط تبحث عن تنويع مصادر تسليحها وموازنة النفوذ الجزائري المدعوم روسياً.
ومع ذلك، يشير خبراء إلى أن ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب تمثل مصالح مشتركة للبلدين، لكنها تظل أسيرة القطيعة السياسية بينهما.
مستقبل غير محسوم
حتى الآن، يمسك المغرب بخيط دقيق بين تعزيز شراكته مع إسرائيل من جهة، والإبقاء على التزامه التاريخي بفلسطين من جهة أخرى، وسط خصومة حادة مع الجزائر. يبقى القرار في النهاية بيد الملك محمد السادس، الذي استطاع حتى الآن أن يحافظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مع تجنّب الانزلاق إلى صدام داخلي أو إقليمي.
ويرى مراقبون أن التجربة الحالية ستحدد ما إذا كان المغرب قادرًا على الاستمرار في هذا التوازن الحرج، أم أن ضغوط الحرب على غزة ستجعل المعادلة أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة.



