عقوبة الموت في إيران.. آلة قمع تتسارع وتيرةها وسط صمت دولي
تصاعد غير مسبوق في الإعدامات منذ مطلع العام يكشف عن نمط منهجي لاستخدام القضاء كأداة ترهيب سياسي ضد المعارضين والأقليات
في مشهد يعكس تشدد النظام الإيراني وتزايد نزعاته القمعية، سجّلت منظمات حقوقية أكثر من ألف حالة إعدام في إيران خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 — وهو أعلى رقم منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحسب تقارير متقاطعة صادرة عن منظمة العفو الدولية ومركز عبد الرحمن برومند.
تتوزع التهم التي أُعدم بموجبها المتهمون بين “التجسس لصالح دول أجنبية”، و”الانتماء لتنظيمات مسلّحة”، و”تهريب المخدرات”، لكن مراقبين يرون أن هذه الاتهامات تُستخدم كغطاء لتصفية معارضين سياسيين أو ناشطين من الأقليات الكردية والعربية والبلوشية.
أداة ترهيب بغطاء قضائي
تؤكد ناشطة في منظمة هنغاو الحقوقية، أن السلطات الإيرانية تستخدم الإعدام كوسيلة لترهيب المجتمع، خصوصاً في أوقات التوتر الداخلي أو الحروب الإقليمية.
وتشير إلى أن النظام “يعجّل بتنفيذ الأحكام ضد معتقلين سياسيين، مستنداً إلى محاكمات سرّية تفتقر إلى أبسط معايير العدالة”.
من أبرز تلك الحالات إعدام الناشط باباك شهبازي في سبتمبر الماضي بعد اتهامه بالتجسس لصالح إسرائيل.
مصادر مقرّبة من عائلته تؤكد أنه اعتُقل تعسفياً، وتعرّض للتعذيب، وحُرم من توكيل محامٍ.
وبحسب المنظمات الحقوقية، فقد أُجبر على الاعتراف خلال التحقيق، ودُفن سراً، فيما مُنعت عائلته من إقامة مراسم عزاء له.
قصص متكررة.. وملفات بلا عدالة
تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن السلطات الإيرانية أعدمت كذلك عشرات النشطاء العرب من الأحواز ومعتقلين أكراد، بعد محاكمات مغلقة، في قضايا اتُهموا فيها بالتجسس أو “محاربة الله”.
وتؤكد شهادات ذويهم أن الاعترافات انتُزعت تحت التعذيب، وأن بعضهم لم يُسمح لعائلته حتى بتسلم الجثث.
في إحدى الحالات، علمت ابنة أحد النشطاء المعدومين بإعدام والدها من خلال مواقع الأخبار، دون إخطار رسمي أو تسليم الجثمان، في تكرار لما تسميه المنظمات الحقوقية “سياسة الإخفاء المزدوج” — إخفاء الضحية وإخفاء الحقيقة.
التصعيد الممنهج والإفلات من العقاب
وفق مراقبين، فإن تسارع الإعدامات يأتي في سياق داخلي متأزم، مع تزايد الأزمات الاقتصادية والعقوبات الدولية، ما يدفع النظام إلى تصدير الخوف والبحث عن “انتصارات داخلية” عبر القمع.
ويرى محللون أن هذا التصعيد “يحمل رسالة مزدوجة”: إلى الداخل بترهيب المعارضة، وإلى الخارج بتحدي المجتمع الدولي واختبار قدرته على الرد.
وتؤكد ناشطات كرديات أن الإعدامات طالت بالدرجة الأولى السجناء السياسيين من الأقليات، الذين يُتهمون عادة بالتعاون مع جهات أجنبية دون أدلة ملموسة.
خاتمة: صمت العالم يمنح الجلاد مزيداً من الوقت
مع تجاوز عدد الإعدامات في إيران حاجز الألف في أقل من عام، يزداد القلق الحقوقي من أن تتحول العقوبة إلى روتين دموي يومي تتعامل معه السلطات بلا تردد ولا مساءلة.
وبينما تواصل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إصدار بيانات تنديد شكلية، يبدو أن طهران تراهن على التعب العالمي من أزماتها المتكررة، مستغلة الصمت الدولي لتوسيع آلة القمع.



