سوريا ولبنان بعد الأسد: نهاية الوصاية وبداية اختبار النفوذ
زيارة الوزير الشيباني إلى بيروت تكشف تحوّلاً في موازين القوة بين دمشق وحزب الله، وبداية مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين
بعد أكثر من عقدين من النفوذ السوري في لبنان، وأعوامٍ من التحالف العضوي بين نظام بشار الأسد وحزب الله، تشهد العلاقة بين بيروت ودمشق تحولاً جذرياً عقب سقوط النظام السوري في ديسمبر الماضي.
فزيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت، وهي الأولى من نوعها في عهد الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، مثّلت إعلاناً صريحاً عن مرحلة مختلفة: “علاقة تقوم على الاحترام المتبادل لا الوصاية”، كما قال الشيباني.
تحول في اللهجة السورية
أبرز ما في الزيارة لم يكن مضمون الاجتماعات فحسب، بل رمزية الغياب. فقد استُبعد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الحليف الأوثق لحزب الله، من جدول اللقاءات الرسمية، في إشارةٍ سياسية واضحة إلى إعادة تموضع دمشق بعيداً عن نفوذ الحزب.
الوزير السوري أكّد أن حكومته تسعى إلى فتح صفحة جديدة مع لبنان قائمة على التعاون وضبط الحدود ومكافحة التهريب، إضافة إلى معالجة ملف المعتقلين والمفقودين، وهي ملفات ظلت مجمدة لسنوات طويلة.
إلغاء المجلس الأعلى: طي صفحة “الأخوة القسرية”
في موازاة الزيارة، أعلنت دمشق تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني–السوري الذي أنشئ عام 1991 في عهد حافظ الأسد وإلياس الهراوي، وحصر التواصل بين البلدين عبر القنوات الدبلوماسية فقط.
هذا القرار، بحسب العميد المتقاعد جورج نادر، “أنهى فعلياً آخر رموز الوصاية السورية على لبنان”، في حين وصفه مسؤولون لبنانيون بأنه “تصحيح متأخر لمسار غير متكافئ”.
حزب الله: من الراعي إلى المتفرّج
أمام هذه المتغيرات، يجد حزب الله نفسه في موقف دفاعي. فالحزب الذي كان يمسك بمفاتيح القرار بين بيروت ودمشق، بات اليوم يتعامل مع نظام لا يدين له بالولاء.
ويرى الباحث السوري عمر كوش أن “سوريا الجديدة تنظر إلى حزب الله كعبء على صورتها، لا كحليف استراتيجي”.
ويشير إلى أن النظام الجديد يسعى إلى “إعادة دمج سوريا في المشهد الإقليمي من دون تركة الحرب أو تحالفات الوصاية الإيرانية القديمة”.
لبنان بين السيادة والاصطفاف
تحاول الحكومة اللبنانية، بقيادة الرئيس جوزاف عون، تثبيت سياسة خارجية أكثر استقلالية.
وزير الخارجية يوسف رجي قال صراحة إن دمشق “تحترم اليوم سيادة لبنان واستقلال قراره”.
لكن المراقبين يرون أن هذه الاستقلالية ستظل مهددة طالما بقي سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة، ولأن الحزب لا يزال يعتبر نفسه “الضامن” لمعادلة الأمن مع إسرائيل.
تراجع المحور الإيراني
سقوط الأسد حرم الحزب من عمقه الجغرافي الحيوي الذي استخدمه لتمرير السلاح من إيران إلى لبنان.
ومع تضييق إسرائيل ضرباتها في سوريا واغتيال عدد من قيادات الحزب، تقلّصت قدرة التنظيم على المناورة العسكرية، ما جعل العلاقة مع دمشق اليوم علاقة اضطرار لا تحالف.
ويقول نادر إن “استبعاد نبيه بري من لقاءات الوزير السوري إشارة واضحة إلى أن النظام الجديد في دمشق لا يريد الاصطفاف في محور إيران–حزب الله بعد الآن”.
المنطقة تتغير... ولبنان في قلب العاصفة
في ظل موجة التسويات الإقليمية بعد قمة شرم الشيخ واتفاق غزة، يبدو أن سوريا ولبنان يكتبان فصلاً جديداً من علاقاتهما، لكن بمعادلات جديدة بالكامل.
فبيروت تحاول أن توازن بين الواقعية السياسية والانفكاك عن المحاور، فيما تسعى دمشق إلى إعادة تعريف نفسها كدولة ذات سيادة لا كملحق بأحد.
ومع اقتراب الحديث عن اتفاقات سلام أوسع في الشرق الأوسط، يواجه حزب الله معضلة وجودية:
هل سيقبل أن يكون مجرد لاعب لبناني ضمن دولة طبيعية؟ أم سيبقى أسير خطاب “المقاومة” الذي فقد مبرراته الإقليمية؟



