عام على سقوط الأسد: سوريا بين الآمال الكبرى والاختبارات الصعبة
تحوّلات سياسية واقتصادية وأمنية ترسم ملامح مرحلة انتقالية غير مكتملة
بعد مرور اثني عشر شهراً على انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تقف سوريا أمام لوحة معقدة تجمع بين الانفراجات السياسية والاقتصادية من جهة، وبين تحديات الأمن والهوية والسلاح المتفلّت من جهة أخرى. فالسؤال الذي يشغل السوريين اليوم: إلى أين تتجه البلاد فعلياً؟
عودة تدريجية إلى المجتمع الدولي
شكّل العام الأول بعد سقوط النظام السابق انقلاباً في موقع سوريا الخارجي. فقد رُفعت معظم العقوبات الغربية، وأعيد فتح قنوات دبلوماسية كبرى، كان أبرزها زيارة رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى واشنطن ولقاؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أول زيارة لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة منذ الاستقلال.
ترى الأوساط السياسية أن هذه الزيارة لم تكن رمزية فقط، بل عكست قبولاً دولياً بالشكل الجديد للدولة السورية، واستعداداً لدعم استقرارها ضمن معادلات شرق المتوسط.
انتخابات تشريعية.. لكن بنصف خريطة
شهد أكتوبر 2025 أول انتخابات لمجلس الشعب بعد التغيير. ورغم إشادة المجتمع الدولي بالعملية، فإن غياب الاقتراع عن السويداء والرقة والحسكة لأسباب أمنية أعاد طرح الأسئلة حول مدى قدرة الدولة على بسط سلطتها على كامل الأراضي السورية.
ورغم ذلك، يعتبر كثيرون أن الانتخابات شكّلت خطوة لا يمكن تجاهلها في مسار بناء مؤسسات جديدة، حتى لو بقيت ناقصة.
تحسن اقتصادي نسبي.. ومخاوف من هشاشة التعافي
اقتصادياً، شهدت البلاد انخفاضاً في أسعار السلع الأساسية وارتفاعاً في قيمة الليرة السورية، مدفوعاً بتخفيف العقوبات وفتح قنوات التمويل. لكن اقتصاديين يحذرون من أن هذا التحسن «مرحلة انتقالية» أكثر منه تعافياً مستداماً، في ظل غياب بيئة استثمار مستقرة وانتشار السلاح وازدواجية السلطات في بعض المناطق.
جروح الأقليات.. اختبارات لم تُحسم بعد
العام الماضي حمل انفجارات اجتماعية خطيرة، أبرزها اشتباكات السويداء بين فصائل درزية وعشائر بدوية، وما سبقها من أعمال عنف دامية في الساحل.
تقرير لجنة الأمم المتحدة، الصادر في أغسطس 2025، وصف أحداث الساحل بأنها «ممنهجة وواسعة النطاق»، مشيراً إلى تورط عناصر من القوات المؤقتة ومجموعات موالية للنظام السابق.
تشعر الأقليات الدينية والعرقية بأن العدالة لا تزال انتقائية، بينما تصر الحكومة الانتقالية على أن المحاكمات تسير «من دون تمييز».
معضلة السلاح.. رأس الأزمة السورية
حصر السلاح بيد الدولة يمثل التحدي الأكثر حساسية. فجزء من الفصائل المسلحة يرفض تسليم سلاحه، بينما أدّى الاتفاق الموقّع بين الحكومة الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي، لكن دون اتفاق نهائي حول شكل الحكم اللامركزي الذي تطالب به «قسد» وترفضه دمشق.
هذا التباين السياسي – العسكري يجعل تثبيت الأمن مهمة متعثرة حتى الآن.
بين إسرائيل والحدود المهدّدة
لا يزال الملف الإسرائيلي أحد أكثر الملفات إرباكاً للدولة الجديدة. فالغارات الجوية اليومية، واستمرار تمركز إسرائيل في خمس مرتفعات جنوبية، يجعل «السيادة» عنواناً مركزياً في النقاش السوري اليوم.
وترى الحكومة أن ضبط الحدود الجنوبية «أولوية وطنية» لكنها تحتاج وقتاً وإجماعاً داخلياً.
ماذا بعد؟
يأمل السوريون أن يشهد العام المقبل انتقالاً من «إدارة الأزمة» إلى «بناء الدولة». لكن النجاح يبقى مرهوناً بقدرة المرحلة الانتقالية على التعامل مع ثلاث عقد أساسية:
السلاح خارج الدولة
التوترات الطائفية والمناطقية
التوازن بين الإصلاح السياسي والاستقرار الأمني
بين الآمال والمخاوف، تبقى سوريا محكومة بسباق دقيق بين خطوات الانفتاح الخارجي، وتحديات الداخل المتشظي.



