عامان على السابع من أكتوبر.. الذاكرة ما زالت تنزف
عامان من الغبار والدمار، لا تزال إسرائيل تندب قتلاها، وغزة تبحث عن معنى لما تبقّى.
في الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، ما زالت الجراح مفتوحة، والنتائج تتحدث عن نفسها: آلاف القتلى، مدن مدمّرة، وأمل ضائع في سلامٍ كان ممكنًا قبل أن تشتعل تلك اللحظة.
ذلك اليوم الذي بدأ باقتحام مسلّحين من حركة حماس للبلدات الإسرائيلية المتاخمة لغزة، تحوّل سريعًا إلى حربٍ شاملة، دفعت ثمنها غزة قبل أي مكان آخر.
الهجوم الذي جلب العاصفة
مع بزوغ فجر السابع من أكتوبر 2023، اخترق مئات المسلحين السياج الحدودي، وهاجموا منازل ومراكز مدنية في كيبوتسات إسرائيلية، في مشهدٍ غير مسبوق منذ قيام الدولة العبرية.
قُتل ما يقارب 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وقُتل آخرون حرقًا أو خنقًا داخل منازلهم. الصور التي انتشرت في ذلك اليوم شكّلت صدمة داخل إسرائيل وخارجها، وفتحت الباب أمام ردّ عسكري لم تعرفه غزة من قبل.
يقول محلل أمني إسرائيلي: “ما فعلته حماس في ساعات قليلة دمّر سنوات من الهدوء النسبي، وأعطى المبرر الكامل لتغيير قواعد اللعبة.”
النتائج الكارثية على غزة
ردّت إسرائيل بعمليات عسكرية غير مسبوقة. القصف طال كل المدن والمخيمات، وامتدّ على مدى عامين، ليحوّل غزة إلى ركام من الأسمنت والرماد.
وفق تقديرات الأمم المتحدة، تدمّرت أكثر من 60% من البنية التحتية، وتشرد أكثر من مليون شخص.
يقول أحد سكان غزة الناجين: “كنا نعتقد أن العملية ستعيد لنا شيئًا من الكرامة، لكنها أخذت منا كل شيء.”
النتائج على الأرض أوضحت أن الهجوم لم يحقق مكسبًا سياسيًا للفلسطينيين.
فبعد أن كانت غزة تتمتع بقدر من الاستقرار النسبي، أصبحت الآن منطقة منكوبة، محاصرة أكثر من أي وقت مضى، بينما تراجعت فرص أي حل سياسي.
بين الشعار والواقع
حماس روجت لعمليتها على أنها “ردٌّ استراتيجي”، لكن ما تبعها أثبت العكس.
فمنذ أكتوبر 2023، تقلّص نفوذ الحركة السياسي، وتعرضت قياداتها لأكبر حملة اغتيالات منذ تأسيسها، كما انقسمت قواعدها الشعبية بين مؤيد يبرر التكلفة، وناقم يرى أن غزة دفعت ثمن مغامرة غير محسوبة.
يقول محلل سياسي عربي إن “ما حدث في السابع من أكتوبر لم يكن نصرًا عسكريًا ولا حتى رمزيًا، بل انتحار سياسي أوقع غزة في دوامة من الدمار والجوع والاقتتال”.
نداف رودايف.. وجه آخر للمأساة
وسط كل هذه المآسي، ما زالت عائلات إسرائيلية، مثل عائلة ليور رودايف، تبحث عن العدالة والوداع الأخير.
كان ليور، البالغ من العمر 61 عامًا، بين أوائل الذين هبّوا لحماية بلدته في نير يتسحاق. اختفى في ذلك الصباح الدامي، وبعد أشهر تأكد مقتله.
يقول ابنه ناداف: “أفتقد والدي كثيرًا. لقد مات وهو يحاول إنقاذ الآخرين، ولا أعتقد أننا سننسى ذلك اليوم أبدًا.”
الدرس الأكبر
بعد عامين، يتفق معظم المراقبين على أن السابع من أكتوبر لم يغيّر فقط موازين القوى، بل غيّر نظرة العالم إلى القضية الفلسطينية بأكملها. ما أرادته حماس كـ “رسالة مقاومة” تحوّل إلى كارثة سياسية وإنسانية عمّقت عزلة غزة، وأعادت رسم التحالفات الإقليمية ضدها.
لقد فشل الهجوم في تحقيق أي مكسب ملموس، بل جرّ على القطاع دمارًا غير مسبوق، وأضعف التعاطف الدولي مع الفلسطينيين. يقول أحد الباحثين في العلاقات الدولية: “في النهاية، لم ينتصر أحد. وحده الموت كان الرابح الأكبر، وغزة هي التي دفعت الثمن عن قرار لم تكن شريكًا فيه.”



