هل تقف سوريا على حافة مواجهة جديدة؟
تعثر اتفاق قسد – دمشق، ضغط تركي، ومخاوف الأقليات تعيد شبح الصدام
مع اقتراب نهاية العام، تبدو سوريا أمام اختبار سياسي وأمني بالغ الحساسية، في ظل تعثر تنفيذ اتفاق مارس بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، وسط انعدام ثقة متبادل، وتصاعد الضغوط التركية، وتنامي مخاوف الأقليات بعد موجات عنف طائفي شهدتها البلاد منذ تولي الرئيس أحمد الشرع السلطة في ديسمبر من العام الماضي.
اتفاق معلّق وثقة مفقودة
بعد أشهر من المفاوضات، لا تزال بنود الاتفاق الجوهرية عالقة، ولا سيما ما يتعلق بطبيعة نظام الحكم في البلاد، وآليات دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري. ويرى محللون أن غياب الثقة بين الطرفين يجعل تنفيذ الاتفاق قبل نهاية العام أمراً بالغ الصعوبة.
يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن السوري فلاديمير فان ويلغنبرغ إن “الطرفين لا يثقان ببعضهما البعض، ولديهما رؤى مختلفة حول كيفية التنفيذ”، مضيفاً أن الخيارات لا تزال مفتوحة بين تمديد الاتفاق أو الانزلاق إلى صراع محدود.
مخاوف الأقليات تتعمّق
أسهمت أعمال العنف الطائفي التي شهدها الساحل السوري ضد العلويين، والجنوب ضد الدروز، في تعميق هواجس الأكراد والأقليات الأخرى من عودة سلطة مركزية عاجزة عن حمايتهم. وقد قُتل نحو 1400 مدني علوي في مارس الماضي، وفق تقديرات لجنة تحقيق أممية، بينما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أعداد تجاوزت 1500 قتيل.
وفي السويداء، قُتل مئات الأشخاص خلال أعمال عنف اندلعت في يوليو، بعد إرسال قوات حكومية إلى المنطقة، وسط اتهامات بعمليات قتل ميدانية صُوّرت ونُشرت علناً، ما زاد من حدة الاحتقان وانعدام الثقة.
دمشق واللامركزية: صدام رؤى
تطالب قوات سوريا الديمقراطية بنظام حكم لا مركزي، وتقترح دمج قواتها ضمن الجيش عبر وحدات مستقلة، في حين تصر دمشق على الدمج الفردي وتطبيق نظام حكم مركزي. الرئيس السوري أحمد الشرع انتقد في سبتمبر الماضي ما وصفه بـ”التأخير الناجم عن طموحات انفصالية مقنّعة بدعوات اللامركزية”.
أستاذ العلوم السياسية مايكل غونتر يرى أن الأكراد، الذين يقدّر عدد مقاتليهم بين 50 و100 ألف عنصر، “لن يتخلوا بسهولة عن المكاسب التي حققوها”، خصوصاً أنهم تلقوا تدريباً ودعماً من الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب ضد تنظيم داعش.
تركيا ترفع منسوب الضغط
في موازاة ذلك، تصعّد تركيا من ضغوطها السياسية والعسكرية، ملوّحة بدعم عملية عسكرية سورية إذا لم تلتزم قسد بالاتفاق. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب، العمود الفقري لقسد، امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها تنظيماً إرهابياً.
شهدت الأسابيع الأخيرة تعزيزات عسكرية تركية إلى شمال سوريا، فيما صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن قسد “لا تُظهر أي نية” للالتزام بالاتفاق. كما ترفض أنقرة بشكل قاطع تعيين قادة من وحدات حماية الشعب في مناصب قيادية داخل الجيش السوري الجديد.
واشنطن… وسيط حذر
تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط الأساسي للحفاظ على الاتفاق ومنع انهياره، انطلاقاً من اعتبار قسد شريكاً رئيسياً في مكافحة تنظيم داعش. وترى واشنطن أن أي صدام جديد قد يزعزع الاستقرار الهش، ويفتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية لاستغلال الفوضى.
وتشير الباحثة ميغان بوديت إلى أن “موجات العنف الطائفي وقرارات الحكومة الانتقالية، مثل استبعاد الهوية الكردية من الإعلان الدستوري، وتعيين قادة ميليشيات مدعومة من تركيا في مواقع حساسة، كلها عوامل أضعفت ثقة الأكراد بدمشق”.
سيناريوهات مفتوحة
يرجح خبراء أن تسعى الأطراف كافة إلى تجنب الحل العسكري، لما يحمله من كلفة عالية على الجميع، بما في ذلك تركيا نفسها. ويرى نيكولاس هيراس، الباحث الأمني الأميركي، أن ترتيباً عملياً قد يؤجل مسألة الدمج الكامل لقسد إلى مرحلة لاحقة، مع الإبقاء على هيكلها القيادي لضمان استمرار محاربة داعش.
خلاصة المشهد
بين اتفاق متعثر، وضغوط إقليمية، ومخاوف داخلية عميقة، تقف سوريا عند مفترق حساس. الحرب الشاملة لا تبدو الخيار المرجح حالياً، لكن استمرار المراوحة وغياب الثقة قد يدفع البلاد نحو صدام محدود، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في ردم الهوة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية.
المشهد مفتوح على كل الاحتمالات، في بلد لم يغادر بعد دائرة الاختبارات القاسية.



