انقسام داخل الثنائي الشيعي: هل يصمد التحالف أمام التحوّلات الإقليمية؟
شرخ غير مسبوق أم تمرين سياسي اعتيادي؟
تعيش الساحة الشيعية في لبنان واحدة من أكثر لحظاتها حساسية منذ عقود، بعدما خرج الخلاف بين حزب الله وحركة أمل إلى العلن بشكل مفاجئ، عقب انتقاد نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، لتعيين السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وصف قاسم القرار بأنه “سقطة إضافية”، في هجوم غير مألوف على خطوة اتُّخذت بتنسيق مباشر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبذلك، وجد الثنائي الشيعي نفسه أمام أول اختبار علني منذ سنوات، في لحظة سياسية يراقبها الداخل والخارج بدقة.
خلفيات التوتر: خلاف على الشكل أم على الدور؟
يرى محللون أن جوهر الخلاف لا يرتبط فقط باسم سيمون كرم، بل بتبدّل البيئة السياسية التي لطالما استفاد منها الطرفان. الخبير السياسي جورج العاقوري يعتبر أن التباين يعكس “أزمة دور ونفوذ” يتشارك فيها الطرفان، خصوصاً مع الضغوط الدولية على ملف سلاح حزب الله وحصر القرار العسكري بالمؤسسات الرسمية.
في المقابل، يقلّل آخرون من حجم الخلاف، معتبرين أن اعتراض حزب الله على مشاركة شخصية مدنية في المفاوضات هو موقف مبدئي، لا يعكس صراعاً على النفوذ ولا يعكس رداً على بري نفسه، بل محاولة لإرضاء جمهوره في سياق حساس.
بري في موقع مختلف… وتوازنات تتغيّر
منذ اغتيال حسن نصر الله، ومع دخول الحزب في مرحلة انتقال قيادي، عاد نبيه بري ليشغل موقعاً سياسياً متقدماً داخل الطائفة الشيعية. تكليفه بقيادة مهمة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار أعاد تثبيت دوره كعرّاب للتسويات.
لكن هذا الدور الجديد وضعه أيضاً أمام تحديات إضافية: ضغوط دولية، تفاوض مباشر، وتحوّل في المزاج الإقليمي، إضافة إلى بيئة لبنانية ترفض استمرار نفوذ السلاح خارج الدولة. وهنا يرى مراقبون أن بري يحاول الموازنة بين الحفاظ على علاقة تحالفية مع حزب الله وبين الامتثال للضغوط الدولية المتصاعدة.
جذور الانقسام: إرث قديم يعود للواجهة
لم تكن العلاقة بين أمل وحزب الله يوماً علاقة انسجام كامل، بل علاقة “زواج ضرورة” نشأ بعد حرب الإخوة في الثمانينيات ورعته دمشق وطهران لتحقيق استقرار داخل البيئة الشيعية.
اليوم، ومع تغيّر موقع إيران الإقليمي وانشغالها بجبهات متعددة، ومع الضغوط الأميركية على لبنان، ومع دخول العامل العربي بقوة في الملف اللبناني، يبدو أن أساس هذا الزواج يُعاد اختباره.
هل ينهار الثنائي؟
رغم الضجة، يتفق معظم الخبراء على أن انهيار التحالف غير وارد حالياً. الطرفان يحتاجان بعضهما إلى حدّ كبير:
أمل تحتاج الغطاء العسكري والسياسي الممتد من حزب الله
حزب الله يحتاج الغطاء المؤسساتي والطائفي الذي تمثله أمل وبري
لكن هذا لا يلغي أن المرحلة المقبلة قد تشهد تصدعات أعمق بفعل:
احتمالات تدويل الملف اللبناني
الضغوط على سلاح الحزب
تراجع النفوذ الإيراني
تنامي الدور العربي والدولي في إعادة هيكلة الدولة اللبنانية
غياب الغطاء الشعبي السابق في البيئة الشيعية
ما القادم؟
تكليف كرم ليس تفصيلاً تقنياً. بل رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي يريد التفاوض مع لبنان ضمن مؤسسات الدولة، لا عبر الفصائل. وهذا بحد ذاته يضع حزب الله أمام معادلة جديدة: إمّا القبول بالدخول في مسار الدولة وإمّا مواجهة عزلة إضافية.
أما تصريحات نعيم قاسم، فقد يراها البعض صدى لمحاولة الحزب الحفاظ على تماسك جمهوره، لكنها لن تغيّر المعادلات التي تُرسم في بيروت وواشنطن وباريس.
في النهاية، يبدو أن الثنائي الشيعي باقٍ… لكنه ليس كما كان. فالزمن تغيّر، والضغوط تضاعفت، والتحالف الذي صمد أربعة عقود قد يدخل مرحلة جديدة من إعادة التموضع، وربما إعادة الحسابات.



