واشنطن تُعيد رسم قواعد الاشتباك: كيف يستهدف قانون الدفاع الأميركي الميليشيات في العراق ويعيد صياغة الملف السوري؟
NDAA 2026 يضع بغداد تحت الاختبار ويطيح بعقوبات قيصر دون شروط واضحة
من المقرر أن يصوّت الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع على النسخة النهائية من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA)، الذي يُعدّ الإطار التشريعي الأهم لسياسات البنتاغون، وتبلغ قيمته هذا العام قرابة تريليون دولار.
وبينما يُنظَر إليه كأداة لتحديد أولويات الولايات المتحدة العسكرية عالمياً، يبرز الشرق الأوسط مرة أخرى كأحد أهم ميادين تأثيره، خاصة العراق وسوريا.
العراق: دعم مشروط وكبح نفوذ الميليشيات المتحالفة مع إيران
يتضمن القانون بنداً لافتاً ينص على حجب 25% من المساعدات الأمنية الأميركية للعراق إلى أن تُثبت الإدارة الأميركية أن بغداد اتخذت خطوات فعلية من أجل:
إضعاف الميليشيات الموالية لإيران.
إزالة عناصرها من الأجهزة الأمنية الرسمية.
الحد من قدرتها على التأثير في القرارات السيادية.
ويمنح القانون وزير الدفاع الأميركي صلاحية تجاوز هذا الشرط بمنح إعفاء خاص في حال رأى أن ذلك يخدم الأمن القومي الأميركي.
هذا التوجه يعكس تغيراً حاداً في موقف واشنطن، التي تبدو اليوم أكثر استعداداً لاستخدام أدوات الضغط المالي والعسكري لإعادة توازن القوى داخل العراق، خصوصاً بعد السنوات التي شهدت توسع “الحشد” داخل مؤسسات الدولة وازدياد الهجمات على القوات الأميركية.
إلغاء تفويضَي الحرب في العراق: طيّ صفحة قانونية عمرها عقود
يقوم القانون أيضاً بإلغاء تفويضَي استخدام القوة العسكرية لعامي 1991 و2002:
الأول شكّل الإطار القانوني لحرب الخليج.
الثاني استخدمته الإدارة الأميركية لغزو العراق عام 2003.
هذا الإلغاء يُعدّ خطوة رمزية وسياسية مهمة، تسعى من خلالها واشنطن إلى تقييد قدرة الرؤساء الأميركيين على شنّ عمليات عسكرية جديدة دون موافقة الكونغرس.
سوريا: رفع شامل لعقوبات “قيصر” دون شروط – انقلاب في المقاربة الأميركية
في ما يتعلق بسوريا، يتضمن NDAA 2026 بنداً مثيراً للجدل:
إلغاء كامل وغير مشروط لقانون قيصر الذي فُرض عام 2019 للضغط على النظام السوري بسبب الانتهاكات الواسعة لحقوق المدنيين.
اعترض بعض المشرعين على الخطوة، واقترحوا ربط رفع العقوبات بتقدم سياسي وأمني واضح، إلا أن النسخة النهائية لا تتضمن أي آليات لإعادة فرضها، بل تكتفي بفرض تقارير دورية تُرسل إلى الكونغرس حول:
سلوك الحكومة السورية.
التعاون في محاربة داعش.
مصير المقاتلين الأجانب.
وضع الأقليات.
عدم المشاركة في أعمال عدائية ضد إسرائيل.
هذا التغيير يُعد أحد أكثر التحولات حساسية في السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ 2011، ويُعيد فتح ملف التطبيع مع دمشق على نطاق أوسع.
إسرائيل: تعزيز الدفاع الصاروخي وتقليص الفجوات اللوجستية
يرسّخ القانون التزام الولايات المتحدة بالبرامج الدفاعية المشتركة مع إسرائيل، ومنها:
القبة الحديدية
مقلاع داود
منظومة آرو
كما يطلب من البنتاغون معالجة أي تأخير في تسليم الأسلحة لإسرائيل وتوسيع التعاون ضد تهديد الأنفاق والطائرات المسيّرة، خاصة بعد الهجوم الإيراني الكبير هذا العام.
أثر القانون: ملامح سياسة أميركية أكثر صرامة في العراق وأكثر غموضاً في سوريا
يُظهر NDAA 2026 أن واشنطن تتجه إلى:
فرض ضغوط مباشرة على الميليشيات العراقية عبر الحكومة.
تقليص أدوات الضغط على النظام السوري عبر إلغاء قيصر.
تعزيز الشراكة الدفاعية مع إسرائيل.
ورغم أن القانون لا يحدد سياسة أميركية شاملة للمنطقة، إلا أنه يوضح شيئاً واحداً:
واشنطن قررت أن أدوات القوة الناعمة والصلبة ستُعاد صياغتها بما يتسق مع التحولات المتسارعة في الشرق الأوسط، ومع صعود منافسين دوليين مثل الصين وروسيا.



