إسكوبار لبنان يسقط... لكن ماذا عن الدولة التي صنعته؟
اعتقال نوح زعيتر يفتح ملف الجريمة المنظمة وارتباطها بالميليشيات
على مدى أكثر من عقد، لم يكن نوح زعيتر مجرد مطلوب خطير متجول في البقاع. الرجل كان رمزاً لمنظومة كاملة: اقتصاد ظلّ، سلاح بلا حساب، تهريب عبر الحدود، علاقات سياسية وحزبية عميقة، وحضور إعلامي يتحدى الدولة في وضح النهار.
لكن تلك الحقبة انتهت الخميس الماضي، حين نفّذ الجيش اللبناني واحدة من أبرز عملياته في السنوات الأخيرة، وأوقف زعيتر على طريق ضيق قرب بعلبك، بعد مئات مذكرات التوقيف وعشرات الأحكام الغيابية التي بقيت حبراً على ورق طيلة سنوات.
توقيف يهزّ البقاع... ويكشف المستور
إيقاف زعيتر لم يكن حدثاً أمنياً فقط. إنه كسرٌ لمنظومة تحمي نفسها بالسلاح والعلاقات، ويتجاوز مجرد ضبط مطلوب خطير.
فالجيش نفّذ في الأسابيع الماضية حملة واسعة ضد شبكات المخدرات، استخدمت فيها المسيّرات لاستهداف أوكار المطلوبين، وأسفرت عن اشتباكات دامية في الشراونة – بعلبك. توقيف زعيتر هو تتويج لهذه العملية، لكنه أيضاً مفصل سياسي وأمني كبير.
التقارير الميدانية والعلاقات الموثقة تشير إلى أن زعيتر لم يكن يتحرك وحده. علاقاته بحزب الله كانت واضحة في الصور والفيديوهات والمناسبات، وفي مشاركاته بمعارك داخل سوريا. رغم نفي الحزب المتكرر، فإن وجوده في مربعات نفوذه لم يكن ممكناً من دون غطاء ما.
ما وراء المخدرات: شبكة تمويل معقّدة
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سبق أن صنّفا زعيتر كأحد أبرز تجّار السلاح والمخدرات المرتبطين بشبكات حزب الله والفرقة الرابعة في جيش النظام السوري بقيادة ماهر الأسد. مليارات من الكبتاغون والسلاح والغسيل عبر الحدود كانت تمرّ ضمن هذه الشبكات.
الاعتقال اليوم ليس حدثاً عابراً. إنه جزء من عملية دولية وإقليمية لتجفيف مصادر تمويل الميليشيات التي تستخدم المخدرات والسلاح كرافعة سياسية وعسكرية.
نهاية الغطاء؟
لماذا لم يوقف زعيتر سابقاً؟ السؤال بحدّ ذاته يكشف حقيقة لبنان: دولة ضعيفة تتعايش مع شبكات نفوذ تحكم مناطق خارج سلطتها.
لكن منذ الهزيمة التي مُني بها حزب الله في الحرب الأخيرة، ومع سقوط النظام السوري، بدأت منظومة التهريب تتعرض لضربات متتالية، من البقاع إلى الحدود السورية.
الجيش اللبناني كثّف عملياته، المسيّرات استهدفت مطلوبين، معامل الكبتاغون أُقفلت، شخصيات أكبر من زعيتر صُفّيت بصمت، والضغط الدولي على شبكات التمويل ازداد بشدة.
اليوم، ومع ضبط أكثر من 30 معملاً للكبتاغون خلال شهر واحد، ومع تشديد الإجراءات في مطار بيروت، ومع موقف سعودي وأميركي يدفع باتجاه محاصرة “الدولة الموازية”، صار توقيف زعيتر جزءاً من مشهد أكبر بكثير.
شبكات تمتد من البقاع إلى دمشق
شبكات التهريب في البقاع لم تكن مجرد عصابات محلية. كانت حلقة من حلقات منظومة تربط حزب الله بالنظام السوري وبسوق المخدرات الإقليمي. الحصول على السلاح كان يحمي المخدرات، والتهريب كان يمول السلاح، والحدود المفتوحة كانت الشريان الذي يبقي كل شيء متصلاً.
مع تغيّر موازين القوى في سوريا ولبنان، وبداية انهيار الحلف الذي حمى هذه المنظومة، بدأت رؤوس كثيرة تتساقط.
ضربة قوية... لكنها ليست النهاية
اعتقال نوح زعيتر حدث مهم، لكنه لا يعني سقوط الشبكة. الرجل ليس “الاسم الأكبر”، بل الوجه الإعلامي الأكثر صخباً. الشبكات التي يختلط فيها السلاح بالمخدرات والسياسة أعمق من شخص واحد.
لكن هذا التوقيف يرمز إلى مرحلة جديدة: مرحلة محاصرة اقتصاد التهريب وتجفيف الأموال التي رجحت كفة الميليشيات على الدولة لعقود.
فهل تكمل الدولة المسار نحو اجتثاث المنظومة؟ أم أن زعيتر سيكون مجرد حلقة في سلسلة طويلة لم تنتهِ بعد؟



