تقرير خاص | الجنوب السوري تحت الظل الإسرائيلي: حرب بلا ضجيج
توغلات يومية وعمليات اعتقال وغارات “وقائية” تعيد رسم خريطة النفوذ بين درعا والقنيطرة
دمشق – خيبر أونلاين
في الجنوب السوري، وعلى الطرق الترابية الممتدة بين درعا والقنيطرة، بات المشهد مختلفاً تماماً عمّا كان عليه قبل عام.
فمنذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، أصبحت الدوريات الإسرائيلية والتحركات العسكرية في المنطقة جزءاً من الواقع اليومي، في ما يشبه حرباً غير معلنة تتخذ طابع “العمليات الصامتة” داخل الأراضي السورية.
وبينما تصف إسرائيل هذه العمليات بأنها “دفاعية واستباقية” تهدف إلى إحباط التسلل والتهريب، يرى مراقبون أن ما يجري هو إعادة رسم للحدود والسلطة في واحدة من أكثر مناطق سوريا تعقيداً من حيث النفوذ المحلي والإقليمي.
خريطة الجنوب تتغير
تكتسب محافظة درعا أهميتها من موقعها الجغرافي الاستراتيجي؛ فهي البوابة الجنوبية لسوريا، وممرّ التجارة نحو الأردن والخليج، ومهد انطلاق الثورة السورية عام 2011.
أما القنيطرة، الملاصقة لمرتفعات الجولان المحتلة، فتشكّل خط تماس مباشر مع إسرائيل، ما يمنحها حساسية أمنية فائقة.
وتقول تقارير “منظمة مراقبة حقوق الإنسان السورية – إيتانا” إن الجيش الإسرائيلي نفّذ نحو 200 عملية توغل في الجنوب السوري منذ أواخر 2024، بينها أكثر من 130 توغلاً برياً، امتدت على مساحة تُقدّر بـ 600 كيلومتر مربع.
استهدافات واعتقالات
في يوليو الماضي، نفّذت القوات الإسرائيلية عملية داخل بلدة بيت جن، على بُعد 50 كيلومتراً من دمشق، استهدفت عناصر يُعتقد بانتمائهم إلى حركة حماس.
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه اعتقل عدداً من المشتبهين وصادر أسلحة وذخائر، قبل نقلهم إلى إسرائيل للتحقيق.
لكن وزارة الداخلية السورية نفت الرواية، وقالت إن “سبعة من المعتقلين مدنيون من البلدة، لا علاقة لهم بحماس”.
وخلال أكتوبر الحالي، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تصعيداً كبيراً في وتيرة التوغلات الإسرائيلية، إذ سُجّل 18 توغلاً منذ بداية الشهر، بعضها جرى بشكل شبه يومي حتى منتصف أكتوبر.
تل أبيب: “عمليات دفاعية دقيقة”
في بيان صدر مطلع الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الفرقة 210 العاملة في الجنوب السوري نفذت عشرات العمليات “الدقيقة” خلال الشهرين الماضيين، استهدفت “بنى تحتية إرهابية” واكتشفت “وسائل قتالية” في مناطق عدة من درعا والقنيطرة.
وأكد البيان أن لواء 226 يواصل نشاطه “على مدار الساعة لضمان أمن سكان هضبة الجولان والمناطق الشمالية لإسرائيل”، مشيراً إلى أن تلك العمليات تأتي ضمن “استراتيجية منع ترسيخ الوجود العسكري للفصائل المدعومة من إيران قرب الحدود السورية – الإسرائيلية”.
“هجوم استباقي صامت”
تُعرّف إسرائيل سياستها الجديدة في الجنوب السوري بأنها “دفاع وقائي”، أو ما يسميه بعض قادتها العسكريين بـ “الهجوم الاستباقي الصامت” — أي تنفيذ عمليات محدودة في العمق السوري لمنع أي تهديد محتمل قبل أن يتطور إلى مواجهة واسعة.
ويرى خبراء عسكريون أن هذه المقاربة تتيح لتل أبيب التحرك بحرية داخل الأراضي السورية من دون تحمل تبعات سياسية كبيرة، لكنها في الوقت ذاته ترفع احتمالات التصعيد غير المقصود مع فصائل محلية أو أطراف إقليمية فاعلة.
نحو اتفاق أمني جديد؟
تتزامن هذه التحركات الميدانية مع محادثات أولية بين إسرائيل والحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، لبحث اتفاق أمني جديد ينظم العلاقة على الحدود الجنوبية.
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن تل أبيب ترفض العودة إلى اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، التي كانت تنظّم الوجود العسكري في الجولان قبل سقوط نظام الأسد، وتطرح بدلاً منها إنشاء “منطقة آمنة” إسرائيلية داخل الأراضي السورية خارج نطاق المنطقة المنزوعة السلاح.
في المقابل، تطالب دمشق الجديدة بـ انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي التي احتُلّت بعد ديسمبر 2024، والعودة إلى الترتيبات القديمة مع الحفاظ على السيادة السورية.
ختام: صراع بلا ضجيج
تؤكد التطورات الأخيرة أن الجنوب السوري دخل مرحلة جديدة من الصراع الهادئ، حيث لم تعد إسرائيل تتحرك من خلف الستار، بل تنفذ عملياتها في العلن تحت شعار “الدفاع الوقائي”.
ورغم أن هذه الاستراتيجية قد تؤجل المواجهة المباشرة، فإنها تؤسس لحالة من الاحتكاك الدائم بين قوات الاحتلال والفصائل المحلية، في منطقة لم تعرف الاستقرار منذ أكثر من عقد، وتبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.




