قاعدة أميركية قرب دمشق لمراقبة اتفاق سوري - إسرائيلي
تموضع استراتيجي جديد يربط بين جنوب سوريا وشمال إسرائيل
في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، كشفت مصادر دبلوماسية وعسكرية متقاطعة عن تحضيرات أميركية لنشر قوات في قاعدة جوية قرب العاصمة دمشق، في إطار اتفاق أمني مرتقب بين سوريا وإسرائيل.
الخطوة، التي تأتي في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، تعيد طرح سؤالٍ جوهري:
هل نحن أمام بداية تطبيع أمني صامت بين دمشق وتل أبيب، أم أمام هندسة جديدة لخريطة النفوذ في الجنوب السوري؟
من مراقبة الهدنة إلى إعادة رسم النفوذ
بحسب ستة مصادر مطلعة، فإن القاعدة تقع عند مدخل الجنوب السوري، في منطقة يُتوقع أن تُعلن قريبًا منطقة منزوعة السلاح تشرف عليها بعثة دولية محدودة بقيادة أميركية.
المهام المعلنة للقاعدة -وفق التسريبات- تشمل المراقبة الجوية، وتزويد الوقود، والعمليات اللوجستية والإنسانية، مع احتفاظ سوريا بـ”السيادة الرمزية” على الموقع.
لكن في العمق، يرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثّل تحولًا في معادلة الصراع السوري:
فمنطقة الجنوب، التي كانت لسنوات مسرحًا لتنافس إيران وإسرائيل، قد تتحول اليوم إلى منطقة إشراف أميركي مباشر، تمهيدًا لترتيبات أمنية دائمة على الحدود.
لقاء الشرع وكوبر: لحظة مفصلية
تعود جذور المشروع إلى اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، في دمشق في 12 سبتمبر الماضي.
وفق مصادر دبلوماسية، جرى خلال الاجتماع بحث تفاصيل القاعدة ومهامها، إلى جانب ملف انسحاب القوات الإيرانية من خطوط التماس في القنيطرة ودرعا.
مسؤول أمني سوري أكّد لاحقًا أن طائرات نقل أميركية من طراز C-130 حطّت بالفعل في القاعدة لإجراء اختبارات على المدرج وتقييم جاهزية البنية التحتية.
وقال أحد حرّاس المداخل إن الطائرات الأميركية “تهبط وتغادر ضمن تجارب واختبارات فنية”، في مشهدٍ يعكس بداية حضور أميركي ميداني متزايد.
المقارنة مع غزة ولبنان
تسعى واشنطن -وفق مصادر مطلعة- إلى استنساخ نموذج المراقبة المستخدم في لبنان وغزة، حيث تنتشر قوات أميركية ضمن مهام مراقبة وقف إطلاق النار.
في جنوب لبنان، تعمل فرق أميركية -إلى جانب قوات أممية- على رصد تنفيذ اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحزب الله.
وفي المقابل، تشرف فرق مشابهة في جنوب تل أبيب على آلية المراقبة الأمنية للهدنة بين إسرائيل وحماس.
اليوم، يبدو أن البنتاغون يسعى لتوسيع هذا النموذج ليشمل سوريا كحلقة ثالثة في “سلسلة المراقبة” الشرق أوسطية، بما يمنحه قدرة على متابعة خيوط التوتر الإقليمي من غزة إلى الجولان.
واشنطن: من دعم الأكراد إلى مراقبة دمشق
الوجود الأميركي في سوريا لم يعد مقتصرًا على دعم “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال الشرقي.
التحول الأخير يشير إلى أن واشنطن تسعى إلى دور مركزي في إعادة هندسة المجال الأمني السوري، في ظل انشغال روسيا بأزماتها الداخلية وتراجع نفوذ إيران الميداني.
مسؤول أميركي صرّح لوكالة رويترز أن “الوجود العسكري الأميركي الجديد لا يعني احتلالًا، بل مراقبة ميدانية لاتفاق سلام قيد الصياغة”، لكنه أقر بأن القاعدة ستكون نقطة مراقبة استراتيجية لأي تحرك عسكري إيراني أو إسرائيلي في الجنوب.
اتفاق قيد التبلور
مصادر دبلوماسية في المنطقة أكدت لـ”خيبر أونلاين” أن الاتفاق السوري - الإسرائيلي برعاية أميركية يتضمن:
إنشاء منطقة عازلة تمتد من ريف القنيطرة إلى ريف السويداء الغربي.
وقف جميع الأنشطة العسكرية الإيرانية في الجنوب.
انسحاب متبادل تدريجي على مراحل، بإشراف أميركي مباشر.
ومن المقرر أن يناقش الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه الترتيبات خلال لقائه المرتقب مع الرئيس السوري أحمد الشرع في واشنطن الأسبوع المقبل، في أول زيارة من نوعها لرئيس سوري إلى البيت الأبيض.
قراءة في المشهد
يبدو أن واشنطن تمهّد لتطبيع أمني تدريجي بين دمشق وتل أبيب، يبدأ من الميدان قبل أن يصل إلى السياسة.
ومع هذا التحول، تعود سوريا إلى قلب الحسابات الأميركية بعد غياب طويل، فيما تحاول إسرائيل تأمين حدودها الشمالية ضمن “صفقة ما بعد الحرب”.
التحليل الأعمق يشير إلى أن الجنوب السوري قد يكون الاختبار الأول لترتيب أوسع يشمل لبنان وغزة، في إطار ما يسميه مسؤولون أميركيون بـ”اتفاقات الاستقرار الإقليمي الجديدة”.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستكون هذه القاعدة الأميركية ضمانة سلامٍ هش، أم مقدمة لمرحلة جديدة من الوصاية المقنّعة على سوريا؟



