لبنان بين الدولة والميليشيا: معركة نزع سلاح حزب الله تدخل مرحلة حاسمة
بين ضغوط واشنطن، وتلويح إسرائيل بمزيد من الغارات، ورفض حزب الله المطلق لفكرة التخلي عن سلاحه، يجد لبنان نفسه أمام منعطف تاريخي: إما فرض سيادة الدولة وحصر القوة بيد مؤسساتها، أو الانزلاق إلى فتنة أهلية
قرار حكومي يضع الدولة بمواجهة الجماعة
قررت الحكومة اللبنانية تكليف الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله، خطوة غير مسبوقة في تحدٍ مباشر للجماعة المدعومة من إيران، والتي تصف الإجراء بأنه “خطيئة كبرى” تصب في مصلحة إسرائيل.
التحرك يأتي بعد الحرب العنيفة التي خاضتها إسرائيل ضد الحزب العام الماضي على خلفية صراع غزة، وأسفرت عن مقتل آلاف المقاتلين وعدد من كبار القادة، قبل أن تفرض الولايات المتحدة هدنة في نوفمبر تضمنت التزامًا لبنانياً بحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة فقط.
الضغوط الدولية ودور واشنطن
في يونيو الماضي، قدّم المبعوث الأميركي توماس براك خارطة طريق لنزع سلاح الحزب بالكامل مقابل انسحاب إسرائيل من نقاط حدودية ووقف غاراتها. لكن الحزب وحليفته حركة أمل رفضا الطرح، وأصرا على وقف الهجمات الإسرائيلية أولاً.
واشنطن من جهتها تُكثّف الضغوط على الحكومة اللبنانية للبدء بخطوات عملية، محذرة من نفاد صبرها ومن احتمال عودة الغارات الإسرائيلية بوتيرة أعنف إذا لم يتحقق أي تقدم.
جذور ترسانة حزب الله
منذ تأسيسه عام 1982 بدعم من الحرس الثوري الإيراني، احتفظ الحزب بسلاحه حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية في 1990 بحجة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، رفض التخلي عن ترسانته، معتبرًا أن دوره في “الدفاع الوطني” لا يزال قائمًا.
ورغم قرار مجلس الأمن 1701 الذي دعا لنزع سلاح كل الجماعات بعد حرب 2006، استمر الحزب في تطوير قدراته العسكرية، مؤكداً أن إسرائيل تواصل انتهاكاتها للسيادة اللبنانية.
موقف الحزب ومخاطر الفتنة
الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم وصف قرار الحكومة بأنه “خطيئة كبرى”، وأكد أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه. مشاهد مسلحي الحزب على دراجاتهم النارية في الضاحية الجنوبية لبيروت شكّلت رسالة تحدٍ واضحة بأن القوة لا تزال بيده.
الذاكرة اللبنانية تستعيد أحداث 2008 حين تحوّل خلاف مشابه حول شبكة اتصالات الحزب إلى مواجهات مسلحة في بيروت، ما يعزز المخاوف من انزلاق البلاد مجددًا نحو اضطرابات أهلية إذا حاولت الدولة فرض القرار بالقوة.
العقبات السياسية والطائفية
نظام المحاصصة الطائفية يعقّد المشهد. فحزب الله وحركة أمل يهيمنان على التمثيل الشيعي داخل البرلمان والحكومة، ما يسمح لهما بشلّ أي قرار لا يوافقان عليه. بالفعل، غاب أو انسحب الوزراء الشيعة من جلسة الحكومة الأخيرة التي أقرّت تكليف الجيش إعداد خطة نزع السلاح، ما أثار تساؤلات حول شرعية القرارات المتخذة من دون مشاركة الطائفة الشيعية.
السيناريوهات المقبلة
من المتوقع أن يقدّم الجيش خطته للحكومة بنهاية أغسطس، وسط انقسام داخلي وضغوط دولية متزايدة. بعض القوى اللبنانية تسعى لإيجاد صيغة وسطية تجنّب البلاد مواجهة مفتوحة مع الحزب وتقلل في الوقت نفسه من المخاطر الإسرائيلية.
لكن إذا استمر الجمود، قد يجد لبنان نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما مواجهة حزب الله داخليًا وما تحمله من احتمالات فتنة، أو مواجهة إسرائيل خارجيًا مع ما يترتب عليها من خسائر مدمرة.




