جبهة البقاع.. حرب الظلال بين حزب الله وإسرائيل
المنطقة الزراعية الهادئة تتحوّل إلى ساحة مواجهة مفتوحة في قلب لبنان
خيبر أونلاين – بيروت
من السهل إلى الجبهة
لم تعد أصوات المزارعين وجراراتهم تتردد وحدها في البقاع اللبناني. فمنذ إعلان حزب الله ما أسماها “حرب إسناد غزة”، بات دويّ الانفجارات يفرض إيقاعه على حياة السكان، بينما ترتفع أعمدة الدخان فوق القرى والمدن التي كانت تنعم بالهدوء.
لقد دخل البقاع، الذي لطالما شكّل الخزان الاستراتيجي لحزب الله وممرّ الإمداد الحيوي بين إيران وسوريا ولبنان، رسمياً قلب الصراع الإقليمي، مع تمدّد المواجهات من الحدود الجنوبية إلى عمق الأراضي اللبنانية.
قصف متكرر وقلق متزايد
خلال الأسابيع الأخيرة، كثّفت المقاتلات الإسرائيلية غاراتها على المنطقة، مستهدفة مواقع في محيط بلدات شمسطار وجنتا والهرمل، قالت إنها “معسكرات لتصنيع صواريخ دقيقة وموجّهة”.
لم تعد هذه الضربات معزولة، بل أصبحت جزءاً من مشهد يومي مرعب للسكان، الذين يخشون تحوّل البقاع إلى ساحة مفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي.
ومع تصاعد التوتر، تتزايد المخاوف من احتمال اجتياح بري عبر محور جبل الشيخ، وهو سيناريو من شأنه إعادة رسم خريطة المواجهة في لبنان وتغيير موازين القوى.
معادلات جديدة في الحرب
عقب انخراط حزب الله في الحرب إلى جانب غزة، أصبح الطريق الدولي الذي يربط دمشق ببيروت عبر البقاع هدفاً رئيساً للقصف الإسرائيلي، في محاولة لقطع خطوط الإمداد الحيوية للحزب.
وقد امتدت الضربات لاحقاً لتطال مخازن الأسلحة ومعسكرات التدريب في القرى الجبلية، ما حول المنطقة الخصبة إلى جبهة عسكرية معلنة.
ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى عبر هذا التصعيد إلى تحقيق هدفين متوازيين:
تقليص القدرات العسكرية لحزب الله.
الضغط على الدولة اللبنانية لتطبيق القرارات الدولية الخاصة بسحب سلاح الحزب.
قلب استراتيجي للصراع
يمتدّ البقاع على مساحة 4400 كيلومتر مربع بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، ويُعدّ وفق “معهد ألما” الإسرائيلي القاعدة الخلفية اللوجستية والعملياتية لحزب الله، حيث توجد مستودعات ذخيرة ومراكز إطلاق صواريخ بعيدة المدى.
ويقول الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب لـخيبر أونلاين إن “القصف الإسرائيلي للبقاع ليس صدفة، بل يعكس إدراك تل أبيب لأهمية هذه المنطقة كعمق دفاعي وممر تسليحي حيوي بين سوريا ولبنان”.
شبكة تحالفات معقدة
البقاع ليس مجرد مساحة جغرافية، بل نسيج اجتماعي وسياسي متشابك يشكّل أحد أعمدة نفوذ حزب الله في لبنان.
العشائر البقاعية تشكّل حاضنة سياسية للحزب، إذ يهيمن على غالبية المقاعد النيابية في دوائر بعلبك – الهرمل وزحلة، مستفيداً من تحالفات عشائرية وطائفية متينة.
ويقول الصحفي مجد بو مجاهد إن الحزب “يحافظ على سيطرته السياسية في البقاع من خلال تحالفات انتخابية راسخة، ومنع أي تحوّل سياسي داخل البيئة الشيعية”.
لكن المراقب الانتخابي عاصم شيا يلفت إلى أن الولاء للحزب ليس واحداً، فهناك “العقائديون المخلصون لأيديولوجيته، والزبائنيون الذين يوالونه خوفاً أو طمعاً بالمكاسب”.
بين الجغرافيا والسياسة
تاريخياً، كانت مناطق البقاع مرتبطة بما يجري في سوريا، وقد زاد نفوذ حزب الله فيها بعد الحرب السورية، خصوصاً عقب سقوط الحدود المفتوحة بين القلمون والهرمل.
اليوم، باتت المنطقة جسراً أمنياً واقتصادياً يربط الحزب بحلفائه، وممراً محتملاً لأي تصعيد عسكري إقليمي.
لكن العلاقة بين الحزب وبعض العشائر ليست خالية من التوتر، إذ تحكمها مصالح اقتصادية وتهريبية على المعابر الحدودية، ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً وتشابكاً.
احتمالات التصعيد
تشير تقارير إلى أن إسرائيل تدرس تنفيذ توغلات محدودة في البقاع لشلّ ممرات التسليح التابعة للحزب، وسط تحذيرات من أن أي عملية كهذه ستواجه مقاومة عنيفة في تضاريس وعرة تمنح الحزب ميزة دفاعية واضحة.
ويرى العميد ملاعب أن “الأرض نفسها تمثل سلاح حزب الله الأول، فهي تضاريس معقدة تمنحه قدرة على الصمود لا يستهان بها”.
خاتمة خيبر أونلاين
تحوّل البقاع من أرض الخصب والتاريخ إلى جبهة النار يلخّص المأساة اللبنانية المتكرّرة:
بلد صغير يعلق مجدداً بين حسابات الخارج وصراعات الداخل، بينما يدفع المدنيون ثمن المعادلات الإقليمية الكبرى.
وبينما تواصل إسرائيل غاراتها تحت عنوان “الأمن القومي”، يبقى السؤال الأهم:
هل يتحوّل البقاع إلى غزة جديدة في قلب لبنان، أم تجد الدولة اللبنانية طريقاً لإنقاذ ما تبقى من سيادتها قبل فوات الأوان؟



