مرحلة الاضطراب: إيران بين الهجرة والانكماش والغياب الإقليمي
بين جيلٍ هارب ونظامٍ عالق في الماضي
إيران في مفترق الطرق
في العدد الافتتاحي من نشرته الجديدة «إيران بإيجاز»، يقدّم الصحافي والباحث أندريس إلفيس تشخيصاً دقيقاً لحالة إيران المعاصرة: دولة مثقلة بالأزمات الداخلية، ومحاصرة خارجياً، ومثخنة بالقلق بين أجيالها الشابة التي تبحث عن طريق للهجرة.
إيران، كما يصفها إلفيس، تعيش مرحلة اضطراب شاملة تشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع. فالنظام يحاول الحفاظ على صورته كقوة إقليمية رغم تراجع نفوذه بعد “حرب الأيام الـ12” مع إسرائيل والولايات المتحدة، فيما تتزايد عزلة طهران عن الملفات الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصاً غزة.
🚶♂️ الشباب الإيراني.. الهجرة كأمل أخير
ينقل التقرير عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اعترافه بأن «عقول الأطفال معلّقة بمغادرة البلاد»، فيما أقرّ خامنئي نفسه بظاهرة الهجرة في خطاب علني نادر، محذّراً من أن “من يغادر سيبقى غريباً في الخارج”.
لكن الأرقام تتحدث بوضوح:
🔹 68% من الشباب الإيرانيين يرغبون بالهجرة
🔹 نصف السكان دون 34 عاماً
🔹 80% يحمّلون السياسة الخارجية مسؤولية الأزمة الاقتصادية
الهجرة لم تعد قراراً فردياً بل صرخة جماعية من جيلٍ بلا أفق اقتصادي أو سياسي.
💣 بعد غزة.. غياب طهران الصاخب
يرى التقرير أن إيران خرجت من حرب غزة الأخيرة بخسارة سياسية مركّبة:
لم تشارك في المفاوضات التي رعتها مصر وقطر.
لم توقّع على أي من بروتوكولات وقف النار.
غابت عن قمة سلام شرم الشيخ.
ويشير إلفيس إلى أن النظام الإيراني يواجه اليوم فراغاً استراتيجياً، إذ تقلّص نفوذه في المنطقة، وتراجعت قدرته على توجيه حلفائه التقليديين من لبنان إلى اليمن.
⚙️ القيود الداخلية والخيارات المحدودة
التقرير يحدّد ثلاثة قيود رئيسية تشلّ حركة طهران:
تراجع النفوذ الدبلوماسي — لم تعد طهران اللاعب الذي يفرض الأجندة.
تدهور مالي — العقوبات تضرب قنوات التمويل والوسطاء وشبكات التهريب.
احتقان داخلي متصاعد — تضخم يتجاوز 42% وبطالة تتخطى 60% بين الشباب.
في المقابل، تراهن إيران على:
وكلائها الإقليميين كورقة ضغط تكتيكية.
العمليات البحرية الرمزية في الخليج.
الرواية الإعلامية التي تقدّم “صمود المقاومة” بديلاً عن الواقع الاقتصادي المرير.
🧩 “دليل التشغيل” للمرحلة المقبلة
يصف التقرير المرحلة القادمة بأنها مزيج من المناورة والانكماش.
فإيران ستحافظ على نشاط وكلائها “تحت العتبة”، وتتكيف مع العقوبات بتبديل الأسماء والأعلام، وستطلق مؤشرات انفتاح محدودة (تبادل سجناء أو تعاون مالي شكلي) لإرباك الغرب دون تنازلات حقيقية.
في الداخل، يتوقع التقرير تصعيداً في القمع والإعدامات لتجنب تكرار احتجاجات 2019 و2022.
📉 الاقتصاد.. محور الانهيار الصامت
الأرقام قاتمة:
انكماش متوقع 1.7% في 2025 و 2.8% في 2026 (البنك الدولي).
تضخم يفوق 42%، مع أزمة مياه وطاقة خانقة.
حذف أربعة أصفار من الريال الإيراني في محاولة رمزية لوقف الانهيار.
النظام ينفق نحو 700 مليون دولار سنوياً على حزب الله و100 مليون على حماس والجهاد الإسلامي، فيما يعاني المواطن من انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار.
ويقول أحد الإيرانيين في مقابلة لقناة الحرة:
«ما فائدة السلاح النووي إذا كنا بلا خبز على العشاء؟»
🎭 القمع الثقافي.. إسكات الفنون والعقول
تتسع حملة تكميم الأفواه لتشمل الفنانين والمثقفين، إذ اعتُقل ثلاثة فنانين شباب بسبب “محتوى غير مألوف”، وأُغلقت مؤسسات ثقافية مثل بيت مفكري العلوم الإنسانية ونقابة الصحفيين.
يصف إلفيس هذا المشهد بأنه محاولة لقتل الفضاء الرمزي للحوار قبل انفجار الغضب الاجتماعي.
🔮 خلاصة خيبر أونلاين
إيران اليوم تقف على هامش الشرق الأوسط الجديد.
غابت عن غزة، وتواجه تآكلاً داخلياً لم يعد يمكن تغطيته بشعارات المقاومة.
ومع تزايد الهجرة والانكماش والعزلة، يدخل النظام مرحلة “الاضطراب الطويل” — حيث لا حرب تُخاض، ولا سلم يُبنى، ولا نظامٌ قادر على التغيير.



