لبنان… وطنٌ يسكنه الخوف
حياة يومية معلّقة بين بيان من الضاحية وغارة فوق الجنوب
تقرير خاص – خيبر أونلاين
لم تعد الحرب في لبنان حدثاً طارئاً. لم تعد خبراً عاجلاً.
أصبحت نمط حياة.
في كل صباح، تبدأ هدى نهارها بيد ترتجف فوق شاشة الهاتف، لا فوق فنجان القهوة. رسائل عاجلة: قصف، غارة، اغتيال، بيان، ردّ، تهديد.
تتنهد:
“كل إشعار… يمكن أن يكون بداية الحرب.”
تعيش هدى في قرية طير دبا، إحدى مناطق الجنوب التي تحولت إلى نقطة تماس نفسية قبل أن تكون جغرافية. تفتح النوافذ عندما يصل إنذار بالإخلاء، وتجلس مع عائلتها مترقّبين الضربة. تقول:
“الكلمات لا تكفي لوصف الرعب.”
هذه ليست قصة هدى وحدها، بل قصة جنوب بأكمله، وبلد يعيش على وقع الانفجار القادم.
ظلّ الحرب فوق البيوت
“العيش الطبيعي” لم يعد خياراً في الجنوب والضاحية والبقاع.
كل السكان أصبحوا جزءاً من معادلة الحرب: سلاح حزب الله، إنذارات إسرائيل، حكومة عاجزة، واقتصاد منهك، وغياب أي ضمانات.
الدراسة في زمن الإنذارات
رشا، الطالبة الجامعية من النبطية، تمسك كتابها بيد وهاتفها باليد الأخرى.
تحاول أن تحفظ سطراً، بينما تتساقط الأخبار فوق رأسها مثل شظايا:
“لا أستطيع التركيز. كل دقيقة خبر… وكل خبر يعني احتمال اندلاع الحرب.”
تخاف على والدتها المريضة أكثر مما تخاف على نفسها:
“لو وقع الخطر، لن نستطيع الحركة.”
الضاحية… ذاكرة الدمار التي لم تُطوَ
في الشياح، تقول ميادة:
“كل مسيّرة أسمعها… أعتقد أن استهدافاً سيحصل.”
منزلها المتضرر ما زال قائماً، لكنه مهدد بالسقوط مع أي جولة تصعيد جديدة:
“نعيش على الأعصاب… ولا قدرة لنا على الانتقال لمكان آمن.”
ضغط نفسي جماعي… وطن بأكمله في جلسة علاج
تشرح الأخصائية النفسية لانا قصقص لـ”خيبر أونلاين” أن اللبنانيين يعيشون حالة توتر مزمن:
أفكار تلقائية سلبية: “الحرب حتمية”
شدّ في العضلات
اضطرابات نوم
اضطرابات شهية
نوبات هلع
شعور بالعجز وفقدان السيطرة
تقول:
“نعيش في بلد حيث المستقبل غير موجود… فقط الخطر موجود.”
لعبة الرسائل النارية بين الحزب وإسرائيل
بيان حزب الله الأخير، الذي رفض فيه أي تفاوض وتمسّك بسلاحه، كان الشرارة التي أعادت الجنوب إلى الواجهة.
إسرائيل تردّ بالطريقة التي تفهمها: الغارات
وفق الخبراء، إسرائيل تستخدم الضغط العسكري المدروس لفرض تنفيذ اتفاق إطلاق النار الذي وقع في 27 نوفمبر 2024.
إنذارات بالإخلاء
استهداف مبانٍ محددة
غارات على مواقع قرب البقاع
استمرار الاغتيالات الدقيقة
يشرح العميد المتقاعد ناجي ملاعب:
“إسرائيل ليست بحاجة لحرب واسعة… هي تحقق أهدافها عبر الضغط التدريجي.”
وفي المقابل، يلوّح حزب الله بأنه لن يسلّم سلاحه، وأن الساحة جاهزة لأي مواجهة.
اللبنانيون: بين دولة عاجزة وحزب مسلح
منذ أغسطس الماضي، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً رسمياً بنزع سلاح حزب الله، لكنه بقي حبراً على ورق.
يقول شارل جبور، رئيس جهاز التواصل في حزب القوات اللبنانية:
“آخر ورقة توت سقطت… والسلاح أصبح فوق الدولة لا داخلها.”
أما الناس، فهم الضحايا الحقيقيون:
خوف، نزوح، اقتصاد منهك، وأحلام معلقة بين السماء والأرض.
لبنان اليوم… وطن يعيش الآن كما لو أن الحرب بدأت أمس وستبدأ غداً
لم تعد الحرب حدثاً ينتظر اللبنانيون وقوعه، بل حالة يعيشون داخلها كل يوم:
شمال يراقب
جنوب يختبئ
ضاحية تتوجّس
بقاع يتوجّع
اقتصاد يختنق
سلطة تتردّد
حزب يتمسّك بالسلاح
وإسرائيل تضغط وتستهدف وتُرسل رسائل بالنار
وهكذا، يبقى الشعب وحده في مواجهة المجهول.



