برلمان بلا صناديق.. انتقادات لانتخابات "المرحلة الانتقالية" في سوريا
السلطة الانتقالية في دمشق تواجه انتقادات حادة بشأن آلية انتخاب البرلمان الجديد، مع جدل حول صلاحيات الرئيس في تعيين الأعضاء وغياب التمثيل عن محافظات رئيسية بسبب الأوضاع الأمنية
تستعدّ الحكومة الانتقالية في سوريا لإجراء أول انتخابات برلمانية منذ سقوط نظام بشار الأسد، لكن الحماسة الرسمية لا تخفي موجة التشكيك الواسعة التي تلاحق العملية السياسية الجديدة، وسط اتهامات بأنّها محاولة لتكريس سلطة الرئيس أحمد الشرع أكثر مما هي خطوة نحو التحول الديمقراطي.
انتخابات بلا ناخبين
من المقرر أن تنعقد الجلسة الأولى للهيئات الانتخابية، الأحد المقبل، لاختيار 210 أعضاء يشكلون أول برلمان في العهد الجديد. لكنّ السوريين لن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، إذ يجري التصويت عبر لجان مناطقية عيّن الشرع أعضاءها بنفسه، على أن ينتخب هؤلاء ثلثي النواب، بينما يحتفظ الرئيس بصلاحية تعيين الثلث المتبقي.
تسري هذه الآلية بموجب “الإعلان الدستوري” الذي وقّعه الشرع بعد توليه السلطة في ديسمبر الماضي، محددًا مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومدة البرلمان بثلاثين شهرًا قابلة للتجديد. وبرر الرئيس القرار بالقول إنّ “الظروف الأمنية واللوجستية لا تسمح بإجراء انتخابات عامة مباشرة”، في إشارة إلى فقدان الوثائق الرسمية لملايين السوريين داخل البلاد وخارجها.
لكنّ كثيرين يرون أنّ هذا التبرير لا يخفي جوهر المشكلة: العملية الانتخابية تُدار من أعلى إلى أسفل، في ظلّ غياب الشفافية والمنافسة الحقيقية.
صلاحيات مطلقة وانتقادات حادّة
الانتقادات الأوسع تمحورت حول الصلاحيات الواسعة الممنوحة للرئيس في اختيار أعضاء البرلمان، إذ رأت أربع عشرة منظمة سورية في بيان مشترك أنّ “الآلية الجديدة تفرغ المجلس من معناه التمثيلي وتحوّله إلى غرفة ملحقة بالرئاسة، بدل أن يكون سلطة تشريعية مستقلة”.
الحقوقي السوري بسام الأحمد، مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قال في تصريح خاص إنّ العملية “لا يمكن وصفها بالانتخابات”، مضيفًا أنّ البرلمان الجديد “سيكون انعكاسًا لتوازنات الولاء لا لإرادة الشعب”.
حتى بين المؤيدين للحكومة، يسود شعور بالحذر. يقول لؤي العرفي، وهو موظف متقاعد من دمشق: “نحن نؤيد الاستقرار، لكننا نريد أيضًا انتخابات حقيقية. لا يمكن أن نبني جمهورية جديدة بالطرق القديمة”.
مناطق مستبعدة وتمثيل ناقص
ثلاث محافظات سورية ستغيب تمامًا عن التصويت: السويداء، الرقة، والحسكة. وقد برّرت اللجنة العليا للانتخابات القرار بـ”التحديات الأمنية”، لكن ناشطين في تلك المناطق يرون في الاستبعاد استمرارًا لسياسة التهميش والإقصاء.
في السويداء، التي شهدت واحدة من أعنف موجات العنف منذ يوليو الماضي، يصف الناشط الدرزي برهان عزام الخطوة بأنها “اجتثاث للحياة السياسية”، مشيرًا إلى أن “السلطة الانتقالية تتحدث عن المصالحة الوطنية، لكنها تستثني مكونات كاملة من المشاركة”.
أما في شمال شرق البلاد، حيث تسيطر الإدارة الذاتية الكردية، فقد اعتُبر القرار محاولة للضغط السياسي بعد الخلافات حول تقاسم السلطة ودمج المؤسسات.
حكومة “تتعلّم الديمقراطية” أم تعيد إنتاجها؟
بينما تروّج دمشق للعملية باعتبارها “بداية جديدة”، يرى مراقبون أن الحكومة الانتقالية تكرر أنماط الحكم السابقة وإن بوجوه جديدة. فالإعلان الدستوري يمنح الرئيس الشرع صلاحيات تنفيذية وتشريعية شبه مطلقة، بما في ذلك حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية والأمنية، ما يجعل أي توازن مؤسسي فعلي شبه مستحيل.
المرشحة ميساء حلواني، وهي مهندسة من دمشق، تقول إنّ “الحكومة جديدة على السلطة ونحن أيضًا جدد على الحرية”، لكنها تعترف بأن “العملية الانتقالية مليئة بالثغرات وتحتاج إلى تصحيح جذري”.
ومع أنّ نحو 1578 مرشحًا تقدّموا للانتخابات، بينهم عدد محدود من النساء والأقليات، يرى ناشطون أنّ النتيجة محسومة سلفًا لصالح التحالفات السياسية المقربة من الشرع، ما يثير تساؤلات حول جدوى “الانتقال” إذا كان يعيد إنتاج المركزية ذاتها التي ثار السوريون ضدها قبل أكثر من عقد.



