القوات الدولية لا تكفي لجلب السلام إلى غزة
قرار أممي يعيد هندسة غزة… لكنه يعجز عن إخماد جذوة الصراع الحقيقي
قرار دولي يحسم الميدان… لكنه لا يحسم الصراع
في 17 نوفمبر، أقرّ مجلس الأمن القرار 2803 الذي ينشئ “قوة استقرار دولية” في قطاع غزة. القرار بدا، في نظر كثيرين، تتويجاً للانتصار العسكري الإسرائيلي بعد الحرب الأخيرة، إذ ينتزع عملياً السيطرة على القطاع من الفلسطينيين وينقلها إلى هيكل جديد يقوده الأميركيون عبر كيان يسمى “مجلس السلام”.
ورغم الاحتفاء الإسرائيلي بالقرار، إلا أن جوهره يعكس تحولاً عميقاً في طبيعة إدارة القطاع ومستقبله السياسي، وهو تحول قد لا يقود إلى الاستقرار كما يُروّج له، بل إلى مرحلة جديدة من الصراع.
من يدير غزة فعلياً؟
القرار يشرّع نقل السلطة القانونية، الأمنية والاقتصادية، من المؤسسات الفلسطينية إلى “مجلس السلام”، وهو كيان خارج المنظومة الفلسطينية، يرأسه رئيس الولايات المتحدة، وتُحدَّد عضويته خارج إطار الأمم المتحدة.
بموجب هذا الإطار:
لا انتخابات فلسطينية جديدة متوقعة.
لا دور فعلي للسلطة الفلسطينية سوى كيان إداري “تكنوقراطي” يعمل تحت الإشراف الدولي.
لا مسار واضح نحو تقرير المصير أو الدولة الفلسطينية.
بهذا، يصبح مستقبل غزة السياسي والأمني خارج يد سكانها بالكامل.
نزع السلاح بالقوة: هدف معلن… ونجاح مشكوك فيه
القرار يعطي القوة الدولية صلاحية استخدام “كل الوسائل الضرورية” لفرض نزع سلاح التنظيمات المسلحة في غزة. وتنسحب القوات الإسرائيلية فقط بعد إتمام هذه العملية.
لكن الوقائع التاريخية تشير إلى محدودية مثل هذه الاستراتيجيات:
بعد اجتياح لبنان 1982، انهار النظام الجديد خلال أسابيع، ومن الفراغ نشأ حزب الله.
في أفغانستان، سقط النظام الطالباني ثم عاد أقوى بعد عقدين.
التجارب تقول إن الجماعات ذات الأساس الأيديولوجي والاجتماعي لا تُنزع شرعيتها بالقوة، مهما بدا الوضع العسكري محسومًا.
حماس: أيديولوجيا ثابتة… وبراغماتية ممكنة
من الواضح أن حماس لن تتخلى طوعاً عن السلاح كجزء من هويتها العقائدية المرتبطة بفكرة “المقاومة”.
لكن الحركة أثبتت، عبر السنوات، أنها قادرة على:
قبول هدن طويلة،
تعديل استراتيجياتها،
الانخراط في مفاوضات غير مباشرة،
مراعاة الضغوط الإقليمية.
هذا يعني أن الإقناع قد يكون ممكناً، بينما الإكراه مستبعد النجاح.
ماذا عن الأطراف الإقليمية؟
الدول الأكثر تأثراً بقطاع غزة ــ مصر والأردن ــ تمانع أي مواجهة مباشرة مع حماس.
أما الإمارات والسعودية، فعادةً تعملان عبر شركاء محليين، وهو خيار غير متاح في غزة اليوم.
تركيا وقطر لديهما نفوذ فعلي داخل الحركة، وقد يكون إشراكهما ضرورة، بينما يبقى الدور الإيراني غائباً في الصياغة الحالية رغم تأثيره المباشر.
إشراك إيران، ولو بصورة غير مباشرة، قد يكون خطوة نحو هندسة حل طويل الأمد.
الضفة في المعادلة
ربط التقدم السياسي في غزة بتحسين الوضع في الضفة الغربية ــ التي تشهد توسعاً استيطانياً وضغوطاً كبيرة ــ قد يخلق ضغطاً على حماس من داخل الشارع الفلسطيني نفسه.
المعادلة هنا واضحة:
تقدم حقيقي في الضفة = ضغط واقعي على غزة للانخراط في تسوية.
هل تجلب القوات الدولية السلام؟
القوة الدولية قد:
تُخفّض مستوى العنف،
تنظم إعادة الإعمار،
تضيف طبقة من الإدارة الأمنية.
لكنها لن تعالج:
جذور الأيديولوجيا المسلحة،
شبكة الرعاة الإقليميين،
مطالب الفلسطينيين الأساسية: السيادة وتقرير المصير.
وهذه القضايا، إن لم تُعالَج، ستعيد إنتاج الصراع ولو بعد سنوات.
خلاصة خَيْبَر أونلاين
قرار 2803 يعيد هندسة غزة إدارياً وأمنياً واقتصادياً كما لم يحدث منذ 2005.
لكنه، رغم قوته القانونية والدولية،
لا يملك أدوات كافية لإنهاء الصراع.
السلام لا يأتي عبر إعادة تصميم الحكم من فوق، بل عبر معالجة جذور النزاع على الأرض:
السلاح، والهوية، والرعاية الإقليمية، وتطلعات الفلسطينيين.
ما لم يحدث ذلك، فإن الهدوء سيكون مؤقتاً… والمرحلة المقبلة قد تكون مجرد فصل جديد من صراع أطول.



