طريق الموت بين دمشق والسويداء
النظام يُمعن في القتل.. جريمة جديدة تستهدف أبناء الجبل داخل مناطق “السيطرة الأمنية”
لم يعد طريق دمشق – السويداء مجرد ممرٍ يربط العاصمة بالجنوب، بل تحوّل إلى ميدان مفتوح للقتل العمد والإرهاب الموجّه ضد المدنيين.
حادثة يوم الأحد، التي راح ضحيتها الشابة آية سلام والشاب كمال عبد الباقي، وأصيب فيها ستة آخرون بينهم طفلان، ليست استثناءً — بل دليل إضافي على أن النظام السوري الحالي فقد ما تبقّى من شرعيته الأخلاقية والأمنية.
الحافلة التي كانت تقلّ ركاباً عاديين عائدين من دمشق، تعرّضت لإطلاق نار مباشر في منطقة خاضعة تماماً لسيطرة ما يُعرف بـ”الأمن العام”، دون أن تُسجّل أي محاولة اعتراض من الحواجز المنتشرة على طول الطريق.
المكان نفسه — قرب كازية مرجانة في ريف دمشق — يضم ثلاث نقاط تفتيش تابعة للأجهزة الأمنية، وهو ما يجعل رواية “الاعتداء الإرهابي الغامض” التي روّجها النظام أشبه بمهزلة سياسية.
جريمة تحت إشراف أمني
شهادات الناجين تكشف أن المسلحين كانوا على علمٍ تام بهوية الركاب. سألوا عن وجهتهم، وعندما تأكدوا أنهم من السويداء، بدأ إطلاق النار دون تردد.
أحد الناجين قال:
“صرخ الأطفال، وصرخت النساء، والرصاص يخترق الزجاج والحديد. لم يوقفهم شيء، كانوا يريدون أن يقتلوا فقط لأننا من السويداء.”
هذه الجريمة لم تقع في فراغ. فالمسلحون تحركوا بحرية في منطقة تحت رقابة أمنية مشددة، ما يجعل احتمال تورّط عناصر من داخل الأجهزة “الانتقالية” نفسها أقرب إلى الحقيقة من أي رواية أخرى.
وفي الوقت الذي سارعت فيه اللجان المحلية إلى تحميل الحكومة الانتقالية المسؤولية الكاملة، اكتفى ممثلها الأمني حسام طحان ببيان باهت وصف فيه ما جرى بأنه “اعتداء إرهابي جبان”، متناسياً أن المسلحين عبروا من بين حواجزه نفسها.
أسماء الضحايا وصوت الجنوب
الشهيدة آية سلام — فتاة في مقتبل العمر، كانت عائدة من دمشق بعد زيارة عائلية.
الشهيد كمال عبد الباقي — شاب من أبناء السويداء، كان يساعد أحد المرضى في رحلته العلاجية.
أما الجرحى فهم: يارا الحلبي ووالدتها، أوس القاسم، لميس أبو حسون، والطفلان لجين وليان زين الدين.
كلهم مدنيون، بلا سلاح، بلا صفة سياسية. لكنهم جميعًا صاروا ضحايا حربٍ لا يعلنها النظام إلا ضد شعبه.
طريق الموت.. من يحمي القاتل؟
منذ تموز الماضي، عقب اجتياح قوات النظام للسويداء وارتكابها مجازر ذات طابع طائفي، تحوّل طريق دمشق – السويداء إلى رمز للرعب والتصفية الممنهجة.
أُعيد فتح الطريق جزئيًا خلال الأسابيع الأخيرة، مع وعود بتأمينه عبر نقاط “الأمن العام”، لكن ما جرى أظهر أن تلك النقاط ليست لحماية الناس بل لإحكام القبضة الأمنية وتسهيل الاستهداف.
الحواجز المنتشرة على مسافة 75 كيلومترًا لم تمنع المجرمين من إطلاق النار على حافلة مدنية، ولم تعتقل أحدًا بعد الجريمة، في مشهدٍ يعكس تواطؤًا أو تهاونًا متعمّدًا من أجهزة النظام.
موقف السويداء
اللجنة القانونية العليا في السويداء اعتبرت الحادث دليلًا جديدًا على سياسة الانتقام الجماعي التي ينتهجها النظام ضد أبناء الجبل، ووصفت الاستهداف بأنه “جريمة منظمة تمت برعاية الأجهزة الأمنية”.
كما دعا الحرس الوطني إلى فتح تحقيق دولي محايد، مؤكدًا أن السكوت عن هذه الجرائم يعني شرعنة قتل المدنيين على الهوية.
التسلسل الزمني للأحداث (من تموز إلى تشرين الأول 2025)
11 تموز 2025: اندلاع اشتباكات محلية إثر عمليات خطف وسرقة، وتدخل مباشر من قوات النظام ضد المدنيين.
13 تموز 2025: مجازر في قرى السويداء بعد دخول وحدات تابعة لـ”الأمن العام”، واتهامات بتصفية جماعية.
أواخر تموز 2025: تهجير مئات العائلات إلى ريف درعا الشرقي.
آب – أيلول 2025: حملات اعتقال ومداهمة متواصلة ضد ناشطين مدنيين في القرى الشرقية.
26 تشرين الأول 2025: استهداف حافلة مدنية قرب كازية مرجانة، ضمن مناطق سيطرة السلطة، واستشهاد شابين وإصابة ستة مدنيين آخرين.
ختامًا
لم يعد من الممكن الحديث عن “هفوة أمنية” أو “حادث إرهابي” عابر.
ما جرى على طريق دمشق – السويداء هو جريمة دولة مكتملة الأركان، نفّذها أو سمح بها نظامٌ بات يرى في أبناء الجنوب تهديدًا لوجوده أكثر من أي عدو خارجي.
إنها ليست عملية اغتيال لركاب حافلة، بل رسالة دموية إلى كل من يطالب بالحرية والكرامة من أبناء الجبل: الطريق إلى الوطن لم يعد آمنًا، لأن القاتل يجلس على الحاجز، لا في الظل.



