جدل الفيدرالية يطفو على السطح مجددًا في سوريا
يشير مفهوم فدرلة سوريا إلى الطرح السياسي الذي يدعو إلى تقسيم البلاد إلى كيانات أو أقاليم تتمتع بقدر واسع من الحكم الذاتي ضمن إطار دولة اتحادية (فيدرالية). هذا الطرح طُرح بقوة مع تعقّد الحرب السورية وت
في شمال شرق سوريا حيث تدير "الإدارة الذاتية" الكردية مناطقها، وفي السويداء جنوبًا حيث يسعى الدروز لحماية مجتمعاتهم من التوترات، وعلى الساحل حيث يعيش العلويون تحت وطأة المجازر الأخيرة، يعود النقاش مجددًا حول شكل الدولة السورية في المستقبل.
ومع دخول البلاد عامها الخامس عشر منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد المخلوع، وبعد نحو عشرة أشهر على تولي أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا) السلطة عبر هيئة تحرير الشام، لم يعد سؤال إعادة بناء الدولة مجرد نقاش نظري، بل بات مطلبًا ملحًا للأقليات التي ترى في الفيدرالية خيارًا لضمان الأمن والتمثيل السياسي والإدارة المحلية.
أقليات تبحث عن ضمانات
تاريخيًا، عاشت الأقليات في سوريا تحت إدارة مركزية صارمة، خلقت شعورًا بالعزلة والتهديد. ومع انهيار مؤسسات الدولة في ديسمبر 2024، برزت الحاجة إلى أنماط حكم محلية أكثر استقلالية.
الأكراد: يشكلون 10% من السكان، وأقاموا منذ سنوات نموذج "الإدارة الذاتية" مع برلمان محلي وأجهزة أمنية خاصة.
الدروز: يشكلون 3% من السكان، ويعتبرون الفيدرالية وسيلة لحماية مناطقهم في السويداء من التوترات والهجمات المسلحة.
العلويون: نسبت إليهم الأمم المتحدة مجازر في مارس 2025 أودت بحياة أكثر من 1400 مدني، ما دفع بعض قياداتهم للمطالبة بحكم ذاتي في الساحل
أصوات دولية ومحلية
المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، قال لـ"الحرة": "الأقليات تريد أولًا بنية حكم لا تمارس القمع، وتريد سيطرة نسبية على إدارتها المحلية، وهو ما اعتادت عليه بالفعل في الشمال الشرقي أو في الجنوب."
لكن جيفري أوضح أن مطلب حكومة الشرع و"الأغلبية السنية" يظل إقامة "دولة مركزية موحّدة لا تتفكك."
من جهتها، تقول زوزان علوش، عضو المجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الخاص لسوريا: "اليوم سوريا مجزأة فعليًا... لا يمكن حكمها بنموذج واحد، لا بد من شكل من أشكال اللامركزية."
رفض حكومي صريح
الرئيس أحمد الشرع أعلن بعد أيام من توليه السلطة رفضه القاطع لأي شكل من أشكال الفيدرالية. ففي ديسمبر 2024 صرح: "لا تقسيم لسوريا بأي شكل، ولا فيدرالية."
وأضاف في يناير 2025 أن "الأكراد لا ينبغي أن يطالبوا بالفيدرالية الآن، فالمجتمع السوري يعتبرها مشروع تقسيم."
ما بين المركزية والفيدرالية
الجدل القائم اليوم يتمحور بين ثلاثة نماذج:
النظام المركزي: سيطرة كاملة من دمشق.
اللامركزية الإدارية: منح الأقاليم إدارة الخدمات دون سلطة سياسية.
الفيدرالية: تقاسم فعلي للسلطة بين المركز والأقاليم.
ويرى محللون أن السيناريو الأقرب هو التوصل إلى "تفاهمات غير رسمية" تمنح الأقليات قدرًا من السيطرة على شؤونها المحلية، مقابل احتفاظ الحكومة المركزية بعلاقاتها الإقليمية والدولية وبالقدرة على توفير الخدمات الأساسية.



