كيف صنعت جماعة الإخوان إرثها العنيف من القاعدة إلى محاولة اغتيال السيسي
شبكات سرية.. وتقاطعات جهادية تراكمت عبر عقود
تقدّم مسيرة جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها قبل نحو قرن، نموذجاً متشابكاً لكيفية توظيف العنف والعمل السري في لحظات سياسية حاسمة. فالجماعة التي لطالما قدّمت نفسها كحركة إصلاحية، لعبت أدواراً مباشرة وغير مباشرة في تكوين معظم التنظيمات الجهادية الحديثة، من القاعدة إلى داعش، وصولاً إلى الخلايا التي حاولت استهداف الدولة المصرية خلال العقد الماضي.
في هذا التحقيق التحليلي، يعيد خيبر أونلاين قراءة مسار العنف الإخواني، وكيف تشكّل عبر حلقات متتالية انتهت بمحاولة اغتيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017، وبتحوّل كوادر إخوانية إلى العنف المسلّح تحت مظلات مختلفة.
من الجهاز السري إلى عقيدة “التكفير والمفاصلة”
تأسس الجهاز السري للإخوان في أربعينيات القرن الماضي، كأول بنية تنظيمية مسلّحة داخل الجماعة. نفّذ عمليات اغتيال وتفجير، وأسّس لثقافة “العنف المنظم” بصفتها وسيلة سياسية.
لكن التحول الأكبر جاء في الخمسينيات والستينيات مع أفكار سيد قطب، الذي نظّر لفكرة “جاهلية المجتمع” وضرورة المفاصلة معه، ما أطلق موجة من التنظيمات التي تبنّت التكفير والعمل العنفي، وكانت جميعها تأثيرات مباشرة لنتاج إخواني فكري وتنظيمي.
الطريق إلى الجهاد المصري والقاعدة
عقب موجة اعتقالات الإخوان عام 1965، خرجت مجموعات من الشباب المتأثرين بأفكار قطب لتأسيس تنظيم “الجهاد المصري”، الذي قاده لاحقاً أيمن الظواهري قبل أن يصبح الرجل الثاني في القاعدة.
الظواهري لم يُخفِ أصله الإخواني، بل اعتبر جماعته الأولى “الأم الفكرية” لجميع الحركات الجهادية الحديثة، ووصف حسن البنا بـ“مؤسس أول تنظيم مسلّح” في العالم الإسلاموي المعاصر.
ومع تأسيس القاعدة في ثمانينيات الحرب الأفغانية، ظهر أثر الإخوان بوضوح: من الدعم اللوجستي عبر قيادات مثل كمال السنانيري، إلى دور عبد الله عزام، وصولاً إلى وجود شخصيات إخوانية داخل النواة الأولى لمعسكرات أسامة بن لادن.
من داعش إلى القنّاص الذي حاول اغتيال السيسي
يتكرر المسار مع تنظيم داعش؛ فزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي نفسه كان منتمياً للإخوان قبل انتقاله للجهادية، كما كشف يوسف القرضاوي سابقاً.
هذا الامتزاج بين البنية الإخوانية والعمليات الجهادية اتضح مجدداً في مصر بعد 2013، حين تحوّلت مجموعات شبابية من الجماعة إلى العمل المسلّح تحت مسميات مثل “حسم” و“لواء الثورة”.
وفي محاولة اغتيال السيسي عام 2017، ظهر الربط واضحاً: محمود هاني قبلان، القنّاص الذي شارك في التخطيط للهجوم، اعترف بأنه تلقى تدريباته في سوريا مع تنظيم القاعدة، قبل أن يعود لينضم إلى خلايا مرتبطة بالإخوان.
خلايا “أنصار الإسلام”.. نموذج آخر للتشابك
وفي العام ذاته، ظهرت جماعة “أنصار الإسلام”، بقيادة ضابط الصاعقة السابق عماد عبد الحميد، التي نفّذت هجوم الواحات. تبين لاحقاً أن عناصرها خضعوا لتسهيلات وتمويل مرتبطين بإخوان مصريين في الخارج، وأن جزءاً من نشاطها مرّ عبر شبكات القاعدة في ليبيا.
اعترافات الموقوفين أكدت وجود تنسيق مع الجناح المسلّح للإخوان، وأن التكامل بين الطرفين كان يهدف إلى إحداث حالة فوضى تمهّد لزعزعة الدولة.
جذور واحدة.. بواجهات متعددة
تكشف العقود الماضية أن الجماعات الجهادية لم تكن ظواهر منفصلة، بل تطورات متتالية داخل المدار الإخواني، حيث اختلط التكوين الفكري بالتنظيم السري، وتحوّلت الجماعة إلى بوابة عبور نحو العنف لدى أجيال متلاحقة.
ورغم أن الإخوان غالباً ما يتبرؤون من هذه التنظيمات، فإن الوقائع، والشهادات، والتاريخ المتواتر تشير إلى أن “المنبع واحد، والواجهات متعددة”.



