من رعاية داعش إلى إدانتها: مفارقة سياسية بلا خجل
حين يتحول الماضي القريب إلى تفصيل مزعج في الخطاب الرسمي
بعث الرئيس السوري أحمد الشرع برقية تعزية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مديناً هجوم تدمر الذي أودى بحياة جنود أميركيين، في مشهد سياسي أثار موجة واسعة من السخرية والتساؤلات. فالرجل الذي ارتبط اسمه، حتى وقت قريب، بتنظيمات متطرفة، بات اليوم يتصدر مشهد إدانة الإرهاب، وكأن الذاكرة الجماعية قصيرة، أو كأن التاريخ قابل لإعادة الصياغة ببيان رسمي.
إدانة متأخرة… أم إعادة تدوير للخطاب
في برقيته، شدد الشرع على إدانة دمشق للحادث «المؤسف»، مؤكداً الالتزام بالأمن والاستقرار. لكن المفارقة التي يصعب تجاهلها أن الجهة التي تُدان اليوم هي ذاتها التي كانت بالأمس القريب جزءاً من المشهد الذي سمح لداعش بالتمدد والتوحش. فجأة، يتحول التنظيم من أداة مرحلية إلى عدو أخلاقي، ومن ورقة ضغط إلى خطر يجب شجبه.
واشنطن تصفق… والذاكرة في إجازة
اللافت أن واشنطن تلقّت الرسالة بترحيب عملي، إذ شدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن الحكومة السورية قاتلت إلى جانب القوات الأميركية لردع الهجوم. مشهد يثير سؤالاً بسيطاً: هل يكفي تغيير التموضع السياسي كي يُغسل الماضي؟ وهل تصبح الإدانة أكثر صدقية حين تصدر من شخص كان، في مرحلة ما، على الضفة الأخرى تماماً؟
داعش كعدو مشترك… بعد فوات الأوان
مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا، توماس براك، أكد أن هجوم تدمر يثبت أن خطر داعش لا يزال قائماً. كلام صحيح في ظاهره، لكنه يتجاهل حقيقة أن هذا الخطر لم ينشأ في فراغ، بل في بيئة رعته وسوّقته واستثمرت فيه سياسياً. اليوم، تُرفع راية مكافحة الإرهاب، لا بدافع المراجعة الأخلاقية، بل لأن التنظيم خرج عن السيطرة وأصبح عبئاً لا أداة.
دبلوماسية الهاتف… وتبادل المجاملات
الاتصال بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الأميركي ماركو روبيو عكس هذا التحول بوضوح. الهجوم وُصف بأنه «تحدٍ جديد» في مكافحة الإرهاب، مع تأكيد أميركي على استمرار دعم الحكومة السورية. هكذا، وبمكالمة هاتفية، يُطوى فصل طويل من التناقضات، ويُعاد تقديم اللاعبين أنفسهم بأزياء جديدة.
الإرهاب كمرآة سياسية
القيادة العسكرية الأميركية أعلنت مقتل منفذ الهجوم، فيما أدانت دمشق العملية ووصفتها بالإرهابية. إدانة صحيحة في الشكل، لكنها تطرح سؤالاً لا مفر منه: هل الإدانة موقف مبدئي، أم مجرد ضرورة ظرفية؟ وهل من كان جزءاً من منظومة التطرف يملك فعلاً شرعية الوعظ ضد نتائجه؟
خلاصة المشهد
في نهاية المطاف، تبدو إدانة داعش من قبل شخصيات ارتبطت بها سابقاً كعرض سياسي هزلي، أكثر منها تحولاً حقيقياً. إنها مسرحية مألوفة في المنطقة: أبطالها يتغيرون في الخطاب، لا في الجوهر، فيما يُطلب من الجمهور أن يصدق أن الماضي انتهى بجملة تعزية، وأن الدم الذي سال بالأمس يمكن محوه ببيان إدانة اليوم.



