واشنطن تُحارب داعش... بمقاتلين من داعش
في سوريا، يختلط العدو بالحليف، والنظام الذي يدّعي مكافحة الإرهاب يضم في صفوفه من قاتل تحت راية التنظيم نفسه
تقرير خاص - خيبر أونلاين
بينما تتحدث واشنطن بثقة عن “شراكة أمنية جديدة” مع دمشق لمكافحة داعش، يتجاهل الخطاب الأميركي حقيقة صادمة يعرفها كل من خَبِر الميدان السوري: أن جزءًا واسعًا من القوى العسكرية التي يُفترض أنها اليوم “تحارب الإرهاب”، كان حتى الأمس القريب جزءًا من منظومة الإرهاب نفسها.
من المقاتل إلى الضابط... إعادة التدوير الأمني
منذ سنوات الحرب الأولى، تحوّلت سوريا إلى مختبر لإعادة تدوير المقاتلين. ضباطٌ انشقوا ثم عادوا، عناصر داعش سابقون التحقوا بـ”قوات الأمن العام”، وقيادات فصائل متطرفة تحوّلت إلى “شركاء في مكافحة الإرهاب”.
مصادر ميدانية تؤكد أن عشرات القيادات الميدانية في “الجيش الوطني” أو “الحرس العام” الحالي، كانوا جزءًا من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” قبل 2015. بعضهم قاتل في صفوف التنظيم في الرقة ودير الزور، قبل أن يُعاد دمجه تحت غطاء جديد بعد انهيار “الخلافة”.
وفي المقابل، أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، المثال الأوضح لهذه المفارقة: الرجل الذي قاتل تحت راية القاعدة، وأسس جبهة النصرة التابعة لداعش، أصبح اليوم في نظر بعض الدوائر الغربية “شريكًا محتملًا في الاستقرار شمال سوريا”.
هكذا، لم يعد تعريف “الإرهاب” مسألة أمنية، بل سياسية بالكامل – تُحدده مصالح اللحظة لا الجرائم السابقة.
دمشق وواشنطن: وحدة هدف... واختلاف نوايا
الإدارة الأميركية تقول إن أولويتها هي “محاربة داعش”، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن مكافحة التنظيم تحوّلت إلى أداة تفاوض، وليست هدفًا بحد ذاته.
دمشق بدورها ترفع شعار “محاربة الإرهاب” منذ أكثر من عقد، لكنها تُبقي على عناصر سابقة من التنظيمات المتطرفة داخل أجهزة الأمن أو ضمن فصائل محلية موالية لها، تُستخدم عند الحاجة لضبط المناطق أو قمع المعارضين.
المفارقة أن القوات الأميركية نفسها – الموجودة في شمال شرق سوريا وقاعدة التنف – تُنسّق عملياتها أحيانًا مع فصائل تضم مقاتلين سابقين في داعش، بينما تعتبر فصائل أخرى، لا تقل تطرفًا، جزءًا من “المعسكر المعادي”.
النتيجة: شبكة معقدة من التحالفات المتناقضة، حيث العدوّ بالأمس يصبح الحليف اليوم، والغاية المعلنة (محاربة الإرهاب) تذوب داخل لعبة النفوذ والمصالح.
الجولاني.. من الإرهابي إلى رجل النظام الجديد
تحوّل الجولاني إلى رمزٍ لهذه المفارقة. الرجل الذي قاتل الأميركيين في العراق، ورفع راية القاعدة في سوريا، أصبح اليوم يرتدي بدلة مدنية ويتحدث عن “إدارة مدنية” و“استقرار إداري”.
الولايات المتحدة، رغم إدراج الجولاني على قوائم الإرهاب، تغضّ الطرف عن توسعه في إدلب، طالما أنه “يضبط الفصائل” ويمسك الأرض. أما دمشق، فتستخدم وجوده كذريعة لتبرير عسكرة الجنوب وقمع المعارضة. وفي النهاية، يستفيد الجميع من استمرار الوضع كما هو: لا سلام، ولا حرب شاملة، فقط حرب باردة تدور حول السيطرة على الأنقاض.
“محاربة داعش” كغطاء لإعادة رسم النفوذ
في العمق، لم تعد الحرب على داعش حربًا على تنظيم، بل غطاءً لإعادة ترتيب الخريطة السورية.
واشنطن تريد حماية وجودها العسكري عبر “قضية الإرهاب”، ودمشق تستخدمها لاستعادة شرعيتها، وأنقرة توظفها لضرب الأكراد، وطهران تسخّرها لتبرير تمدد ميليشياتها.
أما داعش – التي يُقال إنها انتهت – فما تزال حاضرة في الذاكرة، وفي بعض الجيوب الميدانية، كفزاعة دائمة تُستدعى كلما احتاج أحد لتبرير وجوده.
الخلاصة
الحرب على داعش لم تنتهِ، لأنها ببساطة لم تبدأ بعد على نحوٍ صادق.
فالذين يتحدثون اليوم عن “مكافحة الإرهاب” هم أنفسهم من رعوه، درّبوه، ولبسوا أقنعته حين اقتضت مصلحتهم.
سوريا الجديدة التي يُراد بناؤها تحت هذا العنوان، تُدار بمنطق قديم: تبديل الرايات، وتكرار الفوضى، وتسويقها للعالم بوصفها “استقراراً”.



