غرفة الاغتيالات: كيف بنى حزب الله منظومة إسكات الشهود بعد انفجار مرفأ بيروت؟
شبكة الصمت.. من نيترات الأمونيوم إلى سلسلة التصفيات الغامضة
منذ الرابع من أغسطس 2020، لم تهدأ الأسئلة حول المسؤول عن تخزين شحنة نيترات الأمونيوم القاتلة في مرفأ بيروت، ولماذا اختفت شخصيات مفصلية كانت تمتلك مفاتيح هذا اللغز. لكن التطور الأبرز جاء هذا الأسبوع مع نشر الجيش الإسرائيلي معلومات جديدة تتهم وحدة الاغتيالات داخل حزب الله، المعروفة بـ121، بتنفيذ سلسلة عمليات تصفية استهدفت ضباطاً وصحافيين وشخصيات كانت -وفق الرواية الإسرائيلية- تعرف أكثر مما ينبغي.
ورغم أن الحزب ينفي دائماً أي صلة بهذه الجرائم، إلا أن نمط الاغتيالات ومسار التحقيقات المتوقفة يطرحان سؤالاً مركزياً: هل كان الهدف إسكات كل من اقترب من خيوط المرفأ؟
كيف بدأ كل شيء؟
وفق ما نشرته إسرائيل، فإن الشخصيات التي تم استهدافها كانت قد لعبت أدواراً مباشرة في ملفات الجمارك أو التحقيقات الأولية أو في كشف روايات تربط الحزب بشحنة نيترات الأمونيوم. بعض هذه الأسماء أثار منذ سنوات شبهات حول ظروف مقتله، لكنها بقيت بلا إجابات.
لكن الجديد هو تقديم رواية متكاملة تتحدث عن “وحدة اغتيالات” مخصّصة داخل حزب الله، تعمل منذ سنوات على إدارة عمليات تصفية دقيقة.
جوزيف سكاف.. البداية الصامتة
كان سكاف أول من دقّ ناقوس الخطر. عام 2017، حذّر من خطورة تخزين النيترات داخل المرفأ وطالب بإخراجها. بعد أسابيع، عُثر عليه ميتاً إثر سقوطه من مكان مرتفع.
لم يكتمل التحقيق، ولم تُحسم الرواية، لكن كثيرين في محيط المرفأ تحدثوا منذ ذلك الوقت عن “رسالة تخويف” لمن يقترب من ملف الشحنة.
منير أبو رجيلي.. لغز ديسمبر 2020
بعد الانفجار، كان أبو رجيلي واحداً من الضباط الذين يملكون معلومات حساسة عن حركة الحاويات وسجلات التهريب. قُتل طعناً داخل منزله بطريقة احترافية تشير إلى عمل جهاز منظم.
ولم تُحدد هوية أي مشتبه به حتى اليوم.
جو بجاني.. الرصاصة التي أرادت إسكات الصورة
كان المصوّر جو بجاني من أوائل الذين وثقوا موقع الانفجار لحظة وقوعه. بعد أسابيع، أُطلق عليه النار أمام منزله، وسُرق هاتفه الخلوي الذي يُعتقد أنه احتوى على صور حساسة.
مشهد الاغتيال كان أقرب إلى عمليات الاستخبارات منه إلى جريمة عابرة.
لقمان سليم.. الصوت الذي أرادوا إخماده
اتهامه العلني للحزب وللنظام السوري بالمسؤولية عن الانفجار كان واضحاً. وبعد أشهر، عُثر عليه مقتولاً بطلقات نارية داخل سيارته.
رسالة سياسية بامتياز، حتى وإن غابت أصابع الاتهام الرسمية.
ما الذي دفع إسرائيل لفتح الملف الآن؟
التوقيت ليس بريئاً. فالتسريبات جاءت وسط تصاعد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، ومحاولات تل أبيب ضرب شرعية الحزب عبر ملف داخلي يمسّ اللبنانيين مباشرة.
لكن هذا لا يلغي أن الرواية تضع أمام اللبنانيين سؤالاً صعباً: هل مات هؤلاء الأربعة لأنهم اقتربوا من الحقيقة؟
بين السياسة والأمن.. ماذا بقي من التحقيق؟
بعد ثلاث سنوات من التأجيلات، تعطيل التشكيلات، الضغوط السياسية، والعزل القضائي، تحوّل تحقيق المرفأ إلى ملف معلق لا يمشي ولا يموت. وباتت الاغتيالات جزءاً من سردية أكبر: أن الحقيقة في لبنان تُدفن قبل أن تُعلن.
ومع غياب قضاء مستقل قادر على مواجهة القوى المسلحة، تصبح كل رواية -مهما كانت مثيرة أو متناقضة- قابلة للتصديق.
خلاصة خيبر أونلاين
سواء صحّت الرواية الإسرائيلية بالكامل أو جزئياً أو كانت جزءاً من حرب نفسية، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى نمط واضح:
كل من اقترب من ملف نيترات الأمونيوم انتهى إما مهمشاً، أو مقتولاً، أو خائفاً.
ولذلك، يبقى السؤال الذي يطارد اللبنانيين منذ 2020:
من يملك الجرأة ليكشف الحقيقة في بلد تتحكم فيه البنادق أكثر من العدالة؟



