قطر وإيران: شراكة استراتيجية في الوكلاء، النفوذ والدعاية
تنسيق قطري-إيراني سبق الضربة الصاروخية على قاعدة العديد في 23 يونيو 2025... في إشارة إلى علاقة وثيقة ومثيرة للجدل بين الدوحة وطهران
أفادت مصادر مطلعة بأن قطر وإيران نسّقتا بشكل مشترك قبيل الضربة الصاروخية التي نفذتها طهران على قاعدة العديد الجوية في قطر، أكبر مركز عسكري أميركي في المنطقة، في 23 يونيو 2025. ووفقاً للمصادر، فقد قدّم مسؤولون إيرانيون إشعاراً مسبقاً لنظرائهم القطريين، في خطوة تعكس عمق العلاقة الوثيقة والمثيرة للجدل بين البلدين.
وجرى هذا التنسيق المحسوب عبر قنوات دبلوماسية غير معلنة، ما يسلّط الضوء على الشراكة المتنامية بين الدوحة وطهران، والتي باتت تُترجم عملياً على الأرض رغم التوترات الإقليمية والدولية المحيطة.
الإخوان ونظام الملالي: تحالف عقائدي لتصدير الإسلام السياسي عالمياً
رغم الانقسام التاريخي بين السنة والشيعة، تقوم الشراكة بين قطر وإيران على أرضية فكرية مشتركة تتمثل في الطموح إلى تصدير الإسلام السياسي على مستوى عالمي. فدعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين يعكس إلى حد كبير الأيديولوجية الثورية الشيعية التي تتبناها طهران؛ فكلا النظامين يرفضان العلمنة والديمقراطية الغربية في العالم الإسلامي، ويسعيان بنشاط إلى فرض نماذج حكم بديلة تتماشى مع رؤيتهما الأيديولوجية.
إيران تمضي في تنفيذ أجندتها عبر ما تسميه "تصدير الثورة الإسلامية"، في حين تعتمد قطر على شبكة الإخوان العابرة للحدود كأداة تأثير ناعمة، تُعرف أحيانًا في أوساط تحليلية غربية بمصطلح "الجهاد الحضاري" — وهو نهج أقل مباشرة من الأسلوب الإيراني، لكنه لا يقل إثارة للقلق في نظر المراقبين الغربيين.
وتُعد قطر اليوم الراعي الأول لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الدول، حيث تقدم دعماً مالياً وإعلامياً ودبلوماسياً للجماعة. وكشف مذكرة داخلية تعود لعام 1991، عثرت عليها الـFBI، عن نوايا الجماعة في الغرب، وجاء فيها: "على الإخوان أن يدركوا أن عملهم في أميركا هو نوع من الجهاد الكبير لإزالة الحضارة الغربية وتدميرها من الداخل...". وتشير تقارير إلى أن قطر موّلت نحو 126 منظمة مرتبطة بالإخوان في أوروبا، بمبالغ تتجاوز 72 مليون يورو.
في المقابل، تعتمد إيران على شبكة من المراكز الثقافية والمساجد والمؤسسات التعليمية المنتشرة في أوروبا، لنشر فكر الإمام الخميني واستقطاب الدعم لأجندتها الإقليمية. ويجمع الطرفان على أن التمدد العالمي للإسلام السياسي هو ركيزة استراتيجية لمستقبل نفوذهما، ما يجعل تحالفهما يتجاوز الحواجز المذهبية التقليدية لصالح طموحات أيديولوجية مشتركة.
دعم شبكات مشتركة: من حماس إلى حزب الله... تنسيق إقليمي متكامل
يبدو التنسيق بين قطر وإيران أكثر وضوحًا في تقاطعهما الداعم لجماعات مسلحة مصنّفة على قوائم الإرهاب الدولية. فقد قدّمت قطر، على مدار السنوات الماضية، ما يزيد عن 1.8 مليار دولار لحركة حماس، بينما قدّرت وزارة الخارجية الأميركية أن إيران توفّر ما يصل إلى 100 مليون دولار سنويًا للحركة ذاتها. كما استضافت الدوحة عددًا من أبرز قادة حماس، وعلى رأسهم الرئيس السابق للمكتب السياسي، خالد مشعل، منذ عام 2012.
وعلى الجانب الآخر، تعتمد إيران في دعمها للجماعات المسلحة على أدوات مختلفة ولكن بنتائج متشابهة. إذ يوفّر "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني تدريبات عسكرية، وتسليحًا، ودعمًا استخباراتيًا لحزب الله، الذي يحصل على نحو 700 مليون دولار سنويًا من طهران بحسب تقديرات رسمية أميركية.
وفي تطور لافت يعكس مستوى التنسيق المتقدّم، كشفت تقارير استخباراتية عن إنشاء غرفة عمليات عسكرية مشتركة في بيروت ضمت عناصر من الحرس الثوري الإيراني، حزب الله، وحماس، في وقت تواصل فيه قيادة حماس ممارسة نشاطها السياسي من الدوحة. هذا التمركز المزدوج يُعد دليلاً إضافيًا على استعداد كل من قطر وإيران لتمكين جهات فاعلة تزعزع استقرار المنطقة وتعمّق أزماتها الأمنية والسياسية.
ويرى مراقبون أن هذا النمط من التعاون، رغم اختلاف الآليات والأساليب، يخدم هدفًا مشتركًا يتمثل في دعم حركات مسلحة تفرض نفسها كلاعب رئيسي في ملفات الصراع الإقليمي — على حساب مؤسسات الدولة، واستقرار المجتمعات، ومسارات الحلول السياسية.
شراكة اقتصادية متعمّقة: من الغاز إلى التكنولوجيا
ترتكز العلاقة الاقتصادية بين قطر وإيران على شراكة استراتيجية محورية تتمثل في الملكية المشتركة لأحد أكبر حقول الغاز في العالم — حقل "بارس الجنوبي" في إيران و"القبة الشمالية" في قطر — ما أسّس لاعتماد متبادل عميق بين البلدين يحصّن تحالفهما من التقلبات السياسية الإقليمية والدولية.
وقد فرض هذا المورد الحيوي استمرار التعاون الفني بين الجانبين، حيث وقّعت إيران عقودًا بقيمة 17 مليار دولار لتحديث بنيتها التحتية في الحقل، فيما ضخت قطر نحو 10 مليارات دولار في خطوط إنتاج جديدة للغاز الطبيعي المُسال، ضمن إطار شراكة طاقوية متسارعة النمو.
ولا تقتصر الشراكة على قطاع الطاقة فحسب؛ ففي ديسمبر 2024، أعلن البلدان عن خطط لزيادة حجم التبادل التجاري السنوي إلى مليار دولار، ارتفاعًا من 200 مليون فقط. وتتضمن المشاريع المستقبلية إنشاء خط كهرباء بحري بطول 200 كيلومتر لربط شبكتي البلدين، ما يعمّق من التشابك الاقتصادي بين النظامين.
كما اختيرت شركات إيرانية لتقديم استشارات لمشاريع مزارع الطاقة الشمسية في قطر، في حين تجري مباحثات متقدمة لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، مع إشارات إلى دخول شركات تقنية إيرانية إلى السوق القطري.
هذا التقارب الاقتصادي يرسّخ التحالف السياسي القائم بين الدوحة وطهران، ويوفّر أرضية مشتركة لتوسيع النفوذ المشترك في ملفات إقليمية تتعدى حدود المصالح التجارية.
شراكات في التعليم والدفاع: تنسيق يتجاوز الأطر الأكاديمية
عزّزت قطر وإيران تعاونهما في مجالي التعليم والدفاع، ضمن مسارات تكامل تتجاوز الجوانب التقليدية. ففي عام 2022، وُقّعت اتفاقيات بين البلدين تُنظم قبول الطلاب، ومعادلة الشهادات، وتفعيل برامج البحث المشترك، بما يشمل تبادل الأساتذة وشراكات تكنولوجية بين الجامعات. ورغم الطابع الأكاديمي الظاهري لهذه المبادرات، إلا أنها أثارت مخاوف في الأوساط الغربية بشأن إمكانية نقل تقنيات حساسة عبر تلك القنوات.
وفي قطاع الدفاع، واجهت قطر انتقادات حادة بعدما استضافت ممثلين عن "الحرس الثوري الإيراني" — المصنّف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة — خلال "معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري" (DIMDEX) عام 2024. وقد عرضت إيران في المعرض صواريخ وطائرات مسيّرة وغواصات، من بينها مسيّرة حملت اسم "غزة"، ما أثار استياء وزارة الخارجية الأميركية التي كانت قد حذّرت في 2022 من تجاهل الدوحة للمخاوف الغربية المتعلّقة بأنشطة طهران العسكرية.
يعكس هذا التعاون الدفاعي والتعليمي المتنامي بين قطر وإيران توجهاً استراتيجياً نحو تحالف أوسع، يتحدى الخطوط الحمراء الغربية، ويعزّز من تموضع البلدين في مشهد إقليمي معقّد ومتشابك.
كيف تُوازن قطر بين شراكتها مع واشنطن وتحالفها مع طهران
تُجسّد السياسة القطرية في استضافة أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، بالتزامن مع تعزيز علاقاتها مع إيران، نموذجًا دقيقًا لما يُعرف بـ"الدبلوماسية المتوازنة" أو سياسة الحياد المزدوج. فقاعدة "العديد" الجوية، التي تضم نحو 10,000 جندي أميركي وتُعد المقر المتقدم للقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، تُشكّل ركيزة أساسية للعمليات الأميركية في المنطقة. ومع ذلك، تحتفظ الدوحة بعلاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع طهران، ظهر أبرزها في التنسيق المسبق مع إيران قبيل الضربة الصاروخية الأخيرة، وتصريحات قطرية تؤكد رفضها السماح باستخدام أراضيها لشن ضربات أميركية ضد الجمهورية الإسلامية.
هذا التوازن الدقيق مكّن قطر من لعب دور "الوسيط الذي لا غنى عنه" بين واشنطن وطهران، ما عزّز من نفوذها السياسي على الساحة الدولية. وقد استفادت الدوحة من موقعها الفريد لتسهيل تسويات في أزمات إقليمية وعمليات تبادل أسرى، من بينها صفقة 2023 التي أفرجت بموجبها الولايات المتحدة عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة مقابل إطلاق سراح محتجزين أميركيين.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الدوحة أنها "تسعى إلى خفض التصعيد"، يرى منتقدو السياسة القطرية أن هذا الدور غالبًا ما يصب في مصلحة إيران، عبر تخفيف الضغط الغربي عنها وتمكينها من كسب الوقت والمجال للمناورة السياسية.






