المرحلة الثانية من خطة غزة… طريق مسدود؟
قراءة في صحافة الغرب من السلام المتعثر إلى سباق القوة والهجرة
في جولة على أبرز الصحف الغربية الصادرة الأحد، تتقاطع ثلاثة ملفات كبرى ترسم ملامح مرحلة دولية مضطربة: مأزق الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة، أزمة كامنة في الأمن القومي الأميركي تكشفها صواريخ توماهوك، ثم موقف إسبانيا الاستثنائي في الدفاع عن الهجرة داخل أوروبا.
غزة وخطة السلام: عقدة المرحلة الثانية
تستهل صحيفة صنداي تايمز البريطانية جولتها بمقال لمارك إربان، مراسل شؤون الدفاع السابق في بي بي سي، يخلص فيه إلى أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة قد يكون “مستحيلاً”. ويرى الكاتب أن الصورة لن تتضح قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي أواخر ديسمبر.
ويشير المقال إلى أن خطة ترامب المؤلفة من 20 بنداً لم تحظَ بموافقة كاملة لا من الحكومة الإسرائيلية ولا من حركة حماس. فبعيداً عن وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن واستئناف دخول المساعدات، تبقى ملفات شديدة الحساسية من دون حسم، أبرزها: من سيدير قطاع غزة، نزع سلاح حماس، طبيعة القوات الدولية، والانسحاب الإسرائيلي الكامل.
ورغم تلميحات من حماس بإمكانية التخلي عن الأسلحة الثقيلة، إلا أنها لم توافق على التخلي عن السلاح الفردي، في ظل قناعة داخل الحركة بضرورة الاحتفاظ به إلى حين قيام دولة فلسطينية. وتبقى مسألة الجهة التي ستشرف على أي عملية نزع سلاح عقدة أساسية، بين رغبة إسرائيل في إشراف دولي صارم، ورغبة حماس وبعض الأطراف العربية في حصر دور القوة الدولية بكبح العمل العسكري الإسرائيلي.
القوة الدولية والبدائل الهشة
يضيف المقال أن الدول التي أبدت استعداداً أولياً لإرسال قوات دولية، مثل أذربيجان وإندونيسيا وباكستان، باتت مترددة خشية تبعات سياسية وأمنية في حال الاشتباك مع الفلسطينيين. أما البديل المطروح، أي “الشرطة الفلسطينية الجديدة”، فيثير مخاوف من أن تتحول إلى قناة غير مباشرة تسمح لعناصر من حماس بالاحتفاظ بالسلاح.
في المقابل، يلفت المقال إلى أن الجيش الإسرائيلي بات يتعامل مع “الخط الأصفر” داخل غزة كحدود جديدة، ما يبقي إسرائيل مسيطرة على نحو نصف مساحة القطاع، ويزيد الشكوك حول نيات الانسحاب الكامل. ويعزز هذه الشكوك، بحسب صنداي تايمز، دعم إسرائيل مجموعات فلسطينية مسلحة داخل هذه المناطق، يقدر عدد عناصرها بنحو ألف مسلح.
نتنياهو وترامب: صدام محتمل
ينقل إربان عن إيرن إتسيون، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، قوله إن الهدف الحقيقي لنتنياهو هو إفشال الخطة الأميركية. ويرجح أن يسعى ترامب خلال لقائه المرتقب إلى دفع الخطة خطوة إلى الأمام، حتى لو أدى ذلك إلى صدام سياسي مباشر بين الطرفين.
توماهوك تكشف خللاً أميركياً
من لندن إلى نيويورك، حيث تنشر نيويورك تايمز مقالاً لفريقها التحريري يحذر من خلل بنيوي في الأمن القومي الأميركي. ينطلق المقال من فشل واشنطن في إبرام صفقة مع اليابان لإنتاج صواريخ توماهوك بشكل مشترك، وهي صفقة كان يمكن أن تضاعف الإنتاج.
ويرى المقال أن تزايد التهديدات في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا قد يستنزف مخزون الولايات المتحدة من هذه الصواريخ في حال نشوب حرب طويلة الأمد. ويخلص إلى أن المشكلة الأعمق تكمن في عدم قدرة الولايات المتحدة على مجاراة القدرة الصناعية الصينية المتنامية، حيث تمتلك بكين نحو 28 في المئة من الإنتاج الصناعي العالمي مقابل 17 في المئة لواشنطن.
عالم متعدد الأقطاب وتحالفات متصدعة
تحذر نيويورك تايمز من أن المنافسة بين القوى الصاعدة والقوى الراسخة غالباً ما تنتهي بحروب كارثية، داعية واشنطن إلى إعادة التفكير في نهجها تجاه التحالفات. وتشير إلى أن سياسات ترامب تجاه أوروبا وآسيا أضعفت الثقة الأميركية، ودفعت بعض الحلفاء إلى التفكير في بدائل عن السلاح الأميركي.
ويخلص المقال إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى بناء تحالفات أوسع تتجاوز البعد العسكري، وإصلاح الضرر الذي لحق بعلاقاتها في العالم النامي، حيث أفسحت تخفيضات المساعدات المجال أمام تمدد النفوذ الصيني.
إسبانيا… الاستثناء الأوروبي
في ملف مختلف، تتوقف صحيفة ذي إندبندنت البريطانية عند الموقف الإسباني من الهجرة. تشيد الصحيفة برئيس الوزراء بيدرو سانشيز، معتبرة إياه آخر زعيم أوروبي بارز لا يزال يدافع علناً عن الهجرة في زمن تصاعد الخطاب الشعبوي اليميني.
ويرصد المقال كيف استقبلت إسبانيا ملايين المهاجرين من أميركا اللاتينية وأفريقيا، وساهموا في دعم الاقتصاد الذي يسجل نمواً هو الأسرع في الاتحاد الأوروبي للعام الثاني على التوالي. وفي حين تواجه الحكومة انتقادات بسبب أزمة السكن، تعهدت مدريد بتوسيع مشاريع الإسكان العام وتنظيم تملك الأجانب للعقارات.
خلاصة المشهد
بين تعثر السلام في غزة، واختلال موازين القوة الصناعية والعسكرية، وتراجع الخطاب الإيجابي حول الهجرة في أوروبا، تكشف هذه الجولة الصحافية عن عالم يعيش انتقالاً صعباً. عالم لم تعد فيه الحلول الكبرى سهلة، ولا التحالفات ثابتة، ولا المسارات السياسية مضمونة.



