إيران على حافة الانفجار: غضب الشارع يلتقي مع الانهيار الاقتصادي
الاحتجاجات تتوسع من كردستان إلى خوزستان.. والنظام يواجه أخطر اختبار داخلي منذ 1979
مشهد متوتر في قلب طهران
في العاصمة طهران، يختلط ضجيج السيارات بأصوات المحتجين الغاضبين، في صورة تختصر بلدًا يقف فوق برميل بارود.
بعد أشهر من الضربات الإسرائيلية التي عرّت ضعف النظام، تتسع رقعة التظاهرات التي تغذيها البطالة والغلاء والقمع. مقاطع مصوّرة حصلت عليها الحرة توثّق احتجاجات في أكثر من 30 محافظة، ما بين إضرابات عمالية وتجمعات شعبية غاضبة.
من كردستان إلى بلوشستان مرورًا بخوزستان، يتقاطع غضب الشباب والنساء والأقليات ضد سلطة يعتبرها كثيرون ضعيفة لكنها ما زالت تمسك بقبضتها الأمنية. ويبقى السؤال: هل تتطور هذه الشرارات إلى حراك موحّد قادر على فرض التغيير، أم ينجح النظام مجددًا في إخمادها؟
اقتصاد منهار وشوارع تغلي
كريمة (اسم مستعار)، موظفة حكومية من طهران، تلخص الوضع قائلة: “ما فائدة السلاح النووي إذا لم نجد خبزًا للعشاء؟”.
أزمة الخبز أشعلت شرارة التظاهرات في كرمنشاه في أبريل، وسرعان ما انتشرت في عشرات المدن. في مايو، قاد سائقو الشاحنات إضرابًا واسعًا شمل 152 مدينة، من بينها تيران ومهاباد ومهران.
رغم الانتشار الكثيف لقوات الأمن والحرس الثوري، تقول كريمة: “الخوف تغيّر موقعه.. هم من يخشون الشعب الآن”.
ضربات إسرائيلية تكشف هشاشة النظام
في يونيو الماضي، وجّهت إسرائيل سلسلة ضربات دقيقة استهدفت قيادات بارزة في الحرس الثوري وخبراء في برامج الصواريخ والطائرات المسيّرة. النتيجة: انهيار هيبة الأجهزة الأمنية وتأكيد عجز النظام عن حماية أبرز مسؤوليه حتى داخل المواقع المحصّنة.
إلى جانب ذلك، كشفت العمليات عن اختراقات استخباراتية عميقة. تقارير محلية ودولية أشارت إلى وجود شبكات تجسس اخترقت المؤسسات الحساسة، ما دفع إلى موجة إقالات وتحقيقات غير مسبوقة في صفوف الأجهزة الأمنية.
أزمة اقتصادية خانقة
الاقتصاد الإيراني يترنح عند حافة الانهيار. يقول المعارض ماثيو تسوجي إن الجمهورية الإسلامية تمرّ بـ*“أسوأ مراحلها منذ 1979”*.
العملة انهارت من 70 ريالًا للدولار إلى أكثر من 940 ألفًا، ما أجبر السلطات على التفكير بحذف الأصفار. في أصفهان، يؤكد محمد (اسم مستعار) أن بعض المواطنين “اضطروا لبيع أعضائهم لتأمين لقمة العيش”.
التقارير الرسمية تكشف أن أكثر من 30 مليون إيراني، أي ثلث السكان، يعيشون تحت خط الفقر. التضخم بلغ 34.5% في يونيو، والبطالة 7.7%، ليرتفع مؤشر البؤس إلى 42.2، وهو من أعلى المعدلات المسجلة.
أقليات مسحوقة تحت القمع
منذ 1979، تعامل النظام مع الأقليات العرقية والدينية كخصوم دائمين. الأكراد الذين طالبوا بالحكم الذاتي، والبلوش الذين يعانون من الفقر والإقصاء، والعرب في خوزستان، جميعهم تحت رقابة مشددة من الحرس الثوري.
تقول الناشطة البلوشية فاطمة سرحدي إن بلوشستان تعيش “كمنطقة محتلة”. وتشير منظمات حقوقية إلى مجزرة سبتمبر 2022 في زاهدان حين قُتل أكثر من 100 متظاهر، بينهم نساء وأطفال، برصاص قوات الأمن.
معارضة واسعة.. وانقسامات قاتلة
رغم وجود أكثر من 50 حركة وحزب معارض، من الطلاب والنساء إلى العرب والأكراد، يبقى المشهد مشتتًا. الناشط الأهوازي أمين نعيمي يوضح أن المطالب تتمحور حول “حق تقرير المصير وضمان حياة كريمة لكل الإيرانيين”.
لكن غياب قيادة موحّدة واستمرار الانقسامات الأيديولوجية والعرقية يمنح النظام فرصة لإدارة الأزمة عبر القمع والسياسات الجزئية.
حتى في خوزستان الغنية بالنفط، التي يفترض أن تكون قلب المعارضة، تنعكس الانقسامات ذاتها، ما يضعف أي حراك موحّد.
مستقبل مفتوح على كل الاحتمالات
المعارض الكردي فرامرز محمدي يؤكد أن أي تغيير يجب أن يضمن “مشاركة متساوية لكل القوميات”. أما شيرين عبادي الحائزة على نوبل فتقول إن “النصر مسألة وقت، فالتاريخ أثبت أن أي نظام يعارضه أغلب الشعب لا يمكن أن يستمر”.
لكن حتى الآن، يظل النظام مستفيدًا من ضعف وتشتت المعارضة، ما يمنحه قدرة على الصمود. ويبقى المشهد مفتوحًا: إما انفجار يقلب الطاولة، أو قبضة حديدية تطوّق الغضب مجددًا.
نظرة خارجية: فرصة لإضعاف النظام
في واشنطن وتل أبيب، يُنظر إلى موجة الاحتجاجات الأخيرة باعتبارها ورقة ضغط إضافية على النظام الإيراني، المتضرر أصلاً من العقوبات والضربات العسكرية. الولايات المتحدة، رغم حرصها على عدم الانجرار إلى صدام مباشر، ترى في الغضب الشعبي أداة لتقويض شرعية النظام وإشغاله داخليًا عن مغامراته الإقليمية.
أما إسرائيل، التي كثّفت ضرباتها ضد مواقع الحرس الثوري وبرامج الطائرات المسيّرة، فتعتبر أن اهتزاز الداخل الإيراني يعزز استراتيجيتها في "إضعاف الأذرع من الداخل". مصدر أمني إسرائيلي قال لصحيفة يديعوت أحرونوت مؤخرًا إن “كل يوم ينشغل فيه النظام بقمع احتجاجات داخلية، هو يوم يقلّص فيه دعمه لحزب الله وحماس والحوثيين”.
وبينما يراقب الغرب تطورات الشارع الإيراني، يبقى السؤال: هل تتطور هذه الشرارة الداخلية إلى تغيير استراتيجي طويل الأمد، أم يظل النظام قادرًا على الصمود عبر القمع واستغلال الانقسامات الداخلية؟



