“مدارس الكراهية”.. جيلٌ يُعاد تشكيله على فكر حزب الله
“مدارس الكراهية”.. جيلٌ يُعاد تشكيله على فكر حزب الله
بعد ترسانته العسكرية وشبكته المالية، يفتح حزب الله جبهة جديدة أكثر تأثيراً وعمقاً: جبهة التعليم.
فـ”مدارس المهدي” و”كشافة المهدي” التي يفترض أن تكون مؤسسات تربوية وثقافية، تحولت خلال السنوات الماضية إلى منصّات لتشكيل الوعي العقائدي وإعادة إنتاج الولاء للحزب، حتى أصبحت موضع جدل داخل لبنان وخارجه.
من التعليم إلى التلقين
في احتفال ضخم نظمته جمعية “كشافة المهدي” في بيروت هذا الشهر، رفع الأطفال شعارات المقاومة ولبسوا أزياء عسكرية رمزية، في مشهد وصفه عضو الحزب الجمهوري الأميركي توم حرب بأنه “احتفال بالكراهية والتعبئة”، داعياً الحكومة اللبنانية إلى إغلاق ما سماها “مدارس الثأر والعداء” التابعة لحزب الله.
ورأى حرب أن الحزب يستخدم هذه المدارس لتخريج أجيال مؤدلجة على الطاعة والانتماء العقائدي بدلاً من إعدادها للمستقبل المهني والعلمي.
جيلٌ على الولاء لا على الوطن
يقول الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة مصطفى أمين إن أخطر ما يقوم به حزب الله اليوم هو “إعادة إنتاج أجيال عبر منظومته التربوية والكشفية، حيث تُزرع في عقول الأطفال فكرة أن الولاء ليس للدولة بل للمشروع الإيراني”.
ويضيف أن هذه المنظومة تخلق “فقاعة أيديولوجية مغلقة تقصي المختلف وتحوّل أي معارضة إلى خيانة”، ما يؤدي إلى تفكك الانتماء الوطني داخل المجتمع اللبناني.
مشروع عقائدي منظم
يُعلن الحزب صراحة أن مدارسه جزء من “المشروع الإيماني والجهادي”. ففي عام 2023، أكد حسن نصر الله خلال الذكرى السنوية لتأسيس مدارس المهدي أن الحزب سيواصل “تطوير هذه المدارس لأنها صلة مشروعنا الجهادي”.
وتُظهر تقارير عديدة، بينها تقرير لمركز “ألما” الإسرائيلي عام 2022، أن “كشافة المهدي” باتت منصة للتجنيد المبكر، إذ ينتقل المراهقون بين 16 و17 عاماً مباشرة إلى صفوف عسكرية داخل الحزب.
الطفولة المعبّأة
منذ سن الخامسة، يبدأ الأطفال بالانضمام إلى كشافة المهدي، حيث يخضعون لبرامج دينية مكثفة تتدرج من الأناشيد العقائدية إلى تدريبات ميدانية رمزية.
وانتشر عام 2016 فيديو لأطفال بزيٍّ عسكري يحملون أسلحة بلاستيكية ويؤدون عرضاً يحاكي هجوماً على موقع إسرائيلي.
ويستخدم الحزب أيضاً أدوات “ناعمة” لغسل العقول، مثل مجلة “مهدي” التي تخاطب الأطفال بقصص وصور ملونة لتطبيع فكرة “الجهاد” في سن مبكرة.
خرقٌ للدستور واتفاقية حقوق الطفل
يرى المحامي والمحلل السياسي أمين بشير أن ما يفعله حزب الله “يشكل انتهاكاً صريحاً للمادة التاسعة من الدستور اللبناني”، التي تمنع التعليم المحرّض على الكراهية أو الممجد لدولة أجنبية.
ويحذر من أن هذه المناهج قد تضع لبنان تحت طائلة العقوبات الدولية بسبب تجنيد الأطفال والتحريض العقائدي في المدارس.
البيئة الطائفية تحمي الحزب
مصدر في لجنة التربية النيابية اللبنانية قال لـ”خيبر أونلاين” إن “إقفال مدارس حزب الله مستحيل عملياً، لأن معظم المدارس في لبنان قائمة على أسس دينية أو مذهبية”.
ويضيف أن هذه البنية الطائفية نفسها هي التي تحمي حزب الله من أي مساءلة، إذ يبدو كأنه يمارس ما يمارسه الآخرون، لكن على نطاق أوسع وأخطر.
بين الطفولة والعقيدة
يقول الباحث السياسي مكرم رباح إن حزب الله “يستغل المؤسسات التربوية لتجنيد الأطفال في مشروع لا يمت للبنان بصلة”.
ويؤكد أن الحل يبدأ بـ إخضاع مؤسسات الحزب لرقابة الدولة، كما ينص القانون، لمنع تحويل المدارس إلى أذرع أيديولوجية تمزق النسيج الوطني.
المدرسة كسلاح صامت
من سلاحه العسكري إلى سلاحه التربوي، يواصل حزب الله توسيع دوائر نفوذه.
فالمدرسة لم تعد مكاناً للعلم، بل ساحة معركة فكرية يزرع فيها الحزب نواة ولاء جديدة، تضمن بقاء مشروعه عبر الأجيال.
هكذا يتحول التعليم من وسيلة بناء مجتمع إلى وسيلة تأبيد سلطة طائفية مسلّحة.



