الغارة على الدوحة ومعادلة ما بعد 7 أكتوبر: الأمن أولاً
الغارة الإسرائيلية على الدوحة تكشف معادلة ما بعد 7 أكتوبر: الأمن فوق كل اعتبار، والرسالة واضحة بأن لا حصانة لقيادات حماس أينما كانوا.
من غزة إلى الدوحة: رسائل إسرائيلية مباشرة
لم تعد أصوات الانفجارات مقتصرة على غزة أو جنوب لبنان. في مشهد غير مسبوق، وصلت نيران الحرب إلى قلب العاصمة القطرية، حيث استهدفت غارة إسرائيلية قيادات من حركة حماس كانت الدوحة تحتضنهم منذ سنوات.
إسرائيل أوضحت برسالتها أن لا ملاذ آمن لقيادات حماس، حتى في عاصمة كانت تُصوَّر كوسيط محايد.
ردود الفعل جاءت متوقعة: قطر أدانت ما وصفته بـ"الاعتداء الجبان"، بينما عبّرت عواصم خليجية عن خشيتها من التداعيات. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فاعتبر الضربة "مؤسفة"، لكنه لم يذهب أبعد من ذلك. والرسالة الجوهرية التي التقطها المتابعون: إسرائيل قادرة على الوصول إلى خصومها في أي مكان، ولن تتساهل مع أي طرف يؤويهم.
7 أكتوبر: نقطة التحول الحاسمة
ما جرى في السابع من أكتوبر 2023 غيّر كل شيء. إسرائيل التي كانت تدفع باتجاه "السلام الإقليمي" و"الشراكات الاقتصادية" مع دول عربية، وجدت نفسها أمام صدمة هجوم غير مسبوق من حماس. النتيجة: الأولويات تبدلت بشكل جذري.
الآن، الشعار هو "الأمن أولًا".
لم ينهِ هذا التحول مسار التطبيع، لكنه أعاد صياغته: الدبلوماسية العلنية أفسحت المجال لتنسيق أمني واستخباراتي متزايد، خاصة مع دول الخليج القلقة من التهديد الإيراني.
من اتفاقيات أبراهيم إلى التنسيق الأمني
اتفاقيات أبراهيم عام 2020 فتحت أبوابًا واسعة للتعاون الاقتصادي والسياسي بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان. لكن بعد 7 أكتوبر، تراجع البُعد الاقتصادي لمصلحة البعد الأمني.
التقارير الاستخباراتية تشير بوضوح إلى أن التعاون العسكري بين إسرائيل وعدة دول عربية بات أكثر عمقًا وسرية.
هذا التعاون تجلى بشكل استثنائي في أبريل 2024 عندما شنّت إيران هجومًا صاروخيًا واسعًا ضد إسرائيل. دول مثل الأردن والسعودية ساهمت في اعتراض صواريخ ومسيرات إيرانية عبرت أجواءها، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي.
سلام بارد.. لكن أمنيًا أقوى
غم الغضب الشعبي العربي من مشاهد غزة، فإن القنوات الأمنية لم تُغلق، بل تعززت. يصف محللون الوضع الراهن بأنه "تطبيع أمني": علنيًا علاقات فاترة، لكن تحت الطاولة تنسيق متواصل لمواجهة تهديدات مشتركة.
المفارقة أن إسرائيل خرجت من صدمة 7 أكتوبر أكثر اندماجًا أمنيًا في المنطقة مما كانت عليه قبل الهجوم. الغارة على الدوحة مثال حي على ذلك: إسرائيل لا تنتظر إذنًا، بل تتحرك منفردة عند الضرورة، بينما يجد جيرانها العرب أنفسهم مضطرين للتنسيق معها لحماية أجوائهم وحدودهم.
العقدة الفلسطينية باقية
تبقى القضية الفلسطينية العائق الأكبر أمام أي تطبيع شامل، خصوصًا مع السعودية. لكن حتى مع هذه العقدة، لم تعد إسرائيل معزولة. الاتصالات الاستخباراتية والعسكرية مستمرة من مصر إلى الأردن ودول الخليج، فيما تبدو حماس الخاسر الأكبر بعد أن ضُيّق عليها الخناق في غزة وبيروت والدوحة.
خاتمة: إسرائيل ترسم المعادلة الجديدة
الغارة الإسرائيلية على الدوحة ليست مجرد عملية عسكرية، بل ترجمة عملية لشعار "الأمن أولًا" الذي يحكم سياسة إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر.
لم تعد المعادلة هي "سلام مقابل سلام" أو "سلام مقابل اقتصاد"، بل أمن إسرائيل فوق كل اعتبار. ومن أراد التطبيع أو التعاون، فعليه أن ينطلق من هذه القاعدة.



