السودان في قلب العاصفة: كيف تحوّلت الحرب إلى سوق مفتوحة للمرتزقة؟
شبكات عابرة للحدود تغذي صراعاً لا يعرف نهاية
تبدو الحرب في السودان اليوم أكبر بكثير من كونها مواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع. فمع مرور ما يقارب العامين على اندلاع الصراع، تتكشف طبقات جديدة من التورط الإقليمي والدولي، بما في ذلك شبكات تجنيد مرتزقة تمتد من أمريكا اللاتينية إلى الخليج ثم إلى قلب الخرطوم ودارفور.
هذا التحوّل البنيوي في طبيعة الحرب يُعيد تشكيل خريطة القوى على الأرض، ويجعل من الصراع السوداني مسرحاً مفتوحاً لتجارب عسكرية - تجارية غير مسبوقة.
المرتزقة الكولومبيون: من غابات أمريكا الجنوبية إلى حرب السودان
خلال الأشهر الماضية، كشفت تقارير استقصائية غربية عن وصول مئات الجنود الكولومبيين السابقين إلى السودان عبر شبكات تجنيد معقدة.
يحمل هؤلاء خبرات قتالية اكتسبوها خلال عقود من حرب العصابات في بلدهم، ما يجعلهم “عامل قوة مضاعفة” بالنسبة لقوات الدعم السريع.
توضح شهادات بعض المجندين أنهم خُدعوا بعقود عمل لتوفير حماية أمنية في الخليج، قبل أن يتفاجأوا بنقلهم إلى جبهات القتال في أم درمان ودارفور.
شبكات تمويل غامضة.. ودور إماراتي مثير للجدل
تتهم الحكومة السودانية دولة الإمارات بدعم هذه الشبكات، سواء بالمال أو بتسهيل مرور الأسلحة. ورغم نفي أبوظبي، فتحت الأمم المتحدة تحقيقات حول شحنات أسلحة يُشتبه بوصولها إلى قوات الدعم السريع قادمة من دول ثالثة عبر الإمارات.
في المقابل، يعتمد الدعم السريع على شبكات تمويل ذاتية ضخمة، خصوصاً عبر سيطرته على مناجم الذهب في دارفور، ما يمنحه قدرة كبيرة على دفع رواتب مغرية للمرتزقة.
“مشروع عابر للحدود”: توصيف جديد لطبيعة قوات الدعم السريع
يصف متخصصون دوليون قوات الدعم السريع بأنها لم تعد مجرد فصيل محلي، بل “شركة عسكرية تجارية” تعمل بعقلية شبكة عابرة للدول.
فالمقاتلون الأجانب، والتهريب، والذهب، والشركات الخاصة، كلها عناصر تُعيد تشكيل طبيعة الحرب السودانية.
انتهاكات ممنهجة.. ومسؤولية قانونية تلاحق المرتزقة
وثّقت منظمات دولية، بينها العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان، انتهاكات واسعة نُسبت لقوات الدعم السريع:
قتل جماعي
عنف جنسي
تجنيد أطفال
إعدامات ميدانية
وتحذر منظمات حقوقية من أن المرتزقة الأجانب قد يواجهون ملاحقات دولية، كونهم لا يتمتعون بأي حصانة قانونية وفق اتفاقيات الحرب.
واشنطن تتحرك: عقوبات تستهدف شبكات المرتزقة
في تحول مهم، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد وكيانات معنية بتجنيد وتدريب مقاتلين أجانب للحرب في السودان، معتبرة أن هذه الشبكات “تغذي الحرب وتعرقل أي انتقال سياسي”.
تشمل العقوبات:
تجميد أصول
منع التعامل المالي
رفع مستوى المخاطر للمؤسسات التي تتعامل مع هذه الجهات
وهو ما يشير إلى تحوّل الاستراتيجية الأميركية نحو ضرب “سلاسل الإمداد” للحرب، وليس فقط الأطراف السودانية.
حرب بلا نهاية.. ما دام المقاتلون الأجانب مستمرين بالتدفق
يرى خبراء أمميون أن تسوية النزاع تصبح شبه مستحيلة طالما بقيت قنوات التجنيد الخارجية مفتوحة.
فكلما خسرت قوات الدعم السريع عدداً من مقاتليها، استطاعت تعويضهم عبر السوق الدولية للمرتزقة، بينما يعجز الجيش السوداني عن مجاراة هذا النموذج المالي.
بين الإقليم والدولي.. من يملك مفتاح توقف الحرب؟
يرجّح محللون أن نهاية الحرب لن تأتي من الخرطوم أو دارفور، بل من العواصم التي تُموّل وتُدرِّب وتُسهِّل عبور المقاتلين.
ولهذا، فإن أي اتفاق داخلي بين الجيش والدعم السريع سيظل هشاً ما لم يُعالج البعد الخارجي للصراع.



