لا إعمار قبل نزع السلاح
منع الإعمار كأداة ضغط: كيف تُحكم غزة بالحصار بعد الحرب
تقرير خاص - خيبر أونلاين
بينما يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الترويج لخطة “اليوم التالي في غزة”، جاءت تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي وعضو الكابينيت آفي ديختر لتكشف الوجه الحقيقي للرؤية الإسرائيلية: لا إعمار، لا تسهيلات، ولا انفتاح على غزة قبل تفكيك السلاح الفلسطيني بالكامل.
في لقاء مغلق جمعه بدبلوماسيين أجانب في تل أبيب، قدّم ديختر ما يمكن وصفه بـ”عقيدة الردع الجديدة” - رؤية إسرائيل لما بعد الحرب، التي لا تنفصل عن خريطة أوسع تمتد من صنعاء إلى بيروت، مرورًا بغزة وسيناء.
“غزة المغلقة لجيلين قادمين”
أكد ديختر أن إسرائيل لن تسمح بإعادة إعمار القطاع ما لم تُفكَّك البنية العسكرية لحركة حماس كليًا، مشيرًا إلى أن السلاح بالنسبة للحركة “ليس وسيلة بل هو هوية”، على حد تعبيره.
وأضاف بلهجة حادة:
“من يعتقد أن حماس ستتخلى عن سلاحها طوعًا، لا يعرف طبيعتها. غزة ستبقى مغلقة لجيلين على الأقل، وسكانها سيرون إسرائيل في الصور فقط، لا على الأرض.”
هذا التصريح يعكس توجهًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يقوم على معادلة “السلام مقابل نزع السلاح”، وهي ذات المقاربة التي فشلت في لبنان بعد حرب 2006، حين واصل “حزب الله” إعادة بناء ترسانته تحت نظر المجتمع الدولي.
إيران والحوثيون.. “الذراع الجنوبي الذي لم يُكسر”
في عرضه، تحدث ديختر عن محورين إقليميين تقودهما إيران:
المحور الشمالي الذي يمر عبر العراق وسوريا ولبنان،
والمحور الجنوبي الذي يمتد إلى غزة واليمن وسيناء.
وقال إن إسرائيل نجحت في توجيه ضربات قاسية لهذا المحور لكنها لم تُنهِه بعد، مضيفًا أن الحوثيين “يشكّلون تهديدًا متطورًا، لا مجرد فصيل متمرد”، وأنهم يمتلكون قدرات صاروخية وباليستية تصل إلى مدى إسرائيلي عبر التنسيق المباشر مع طهران.
وأضاف أن شحنات الأسلحة التي دخلت إلى غزة خلال السنوات الماضية جاءت عبر السودان وسيناء، بدعم وتمويل إيراني، وهو ما تعتبره إسرائيل أحد دوافعها لتوسيع الحرب إلى نطاق إقليمي.
خطة ترامب.. “فرصة مشروطة”
ديختر أشاد بما وصفه بـ”الفرصة التاريخية” التي تتيحها خطة ترامب، معتبراً أنها تقدّم إطاراً عملياً لتغيير المشهد الديمغرافي والسياسي في غزة، وليس فقط الأمني.
وأشار إلى أن “71% من سكان غزة هم من اللاجئين وفق سجلات الأونروا”، وأن “إعادة الإعمار لن تنجح دون معالجة جذرية لقضية اللاجئين”.
ووصف وكالة الأونروا بأنها “العقبة الأكبر أمام أي تسوية طويلة المدى”، في تكرار لرواية إسرائيلية تهدف إلى إنهاء وجود الوكالة كمؤسسة دولية تُكرّس مفهوم العودة.
كما اعتبر تصريح ترامب بشأن “إعادة توطين 1.7 مليون فلسطيني خارج غزة” دليلاً على نية جادة لإعادة تشكيل ديموغرافيا القطاع بما يسهّل ضبطه أمنيًا.
التطبيع.. من المتوسط إلى المحيط
تحدث ديختر عن نافذة “استثنائية” لخلق محور اقتصادي جديد يمتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، بفضل التطبيع مع السعودية.
وقال إن الاتفاق المرتقب قد يفتح ممراً استراتيجياً يربط إسرائيل بأفريقيا والخليج وآسيا، لكنه شدد على أن ذلك “لن يتحقق ما لم تُكسر أذرع إيران، ويُجرّد المتطرفون من السلاح”.
وأضاف:
“لا يمكن الحديث عن سلام طالما أن الجماعات المسلحة ما زالت تحكم بالسلاح، ولا عن إعمار طالما أن القوة العسكرية لم تُفكك.”
تحليل خيبر أونلاين: “ديختر” كاشف لا متحدث
من وجهة نظر تحليلية، لا تمثل تصريحات ديختر مجرد موقف شخصي، بل تعبّر عن تحول أيديولوجي في بنية التفكير الأمني الإسرائيلي: الانتقال من سياسة “الاحتواء والردع” إلى سياسة إعادة الهندسة السكانية والسياسية.
فإسرائيل - كما يظهر من كلامه - لم تعد ترى غزة كقضية فلسطينية، بل كـ”معضلة إقليمية” تتقاطع مع إيران واليمن ولبنان، في محاولة لتبرير استمرار الحصار وتعطيل الإعمار ضمن سياق أوسع لمحاربة النفوذ الإيراني.
وبينما تبدو خطة ترامب في ظاهرها مسارًا لإعادة الاستقرار، فإنها في مضمونها تُعيد إنتاج الوصاية الأمنية على الفلسطينيين، وتحويل “نزع السلاح” إلى شرط حياة، لا بنداً سياسياً.
خلاصة
تحت شعار “نزع السلاح قبل الإعمار”، تُعيد إسرائيل رسم حدود غزة - لا على الأرض فقط، بل على مستقبلها السياسي والديمغرافي.
أما الغرب، فيبدو مستعدًا لتبنّي هذه المعادلة كـ”واقعية جديدة”، متجاهلًا أن السلام القسري لا يولد الاستقرار، بل يمدّد زمن الانفجار القادم.



