غسان الدهيني.. الرجل الذي ورث جماعة "القوات الشعبية" بعد مقتل أبو شباب
خلف الكواليس: صعود قائد غامض يعيد رسم خريطة الولاءات في جنوب غزة
منذ لحظة الإعلان عن مقتل ياسر أبو شباب، القائد المثير للجدل في جماعة “القوات الشعبية” في جنوب قطاع غزة، بدأ اسم غسان الدهيني يطفو بقوة فوق سطح المشهد. ليس فقط لكونه الوريث الطبيعي لزعامة التشكيل المسلح، بل لأن تحركاته المتسارعة، وظهوره العلني بملابس عسكرية مع مقاتلين ملثمين، أوحت بأن مرحلة جديدة قد بدأت داخل هذه المجموعة التي لطالما أثارت حساسية في غزة.
صعود قائد جديد.. من الظل إلى الواجهة
لم يكن الدهيني اسماً معروفاً شعبياً قبل مقتل أبو شباب، لكنه كان لاعباً ناشطاً داخل “القوات الشعبية” بحسب مراكز أبحاث إسرائيلية وغربية، وبرز بعد إصابته في الهجوم ذاته الذي قتل فيه أبو شباب.
وبحسب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن الدهيني كان من أبرز مساعدي أبو شباب، واكتسب نفوذاً متزايداً خلال العام الماضي بفضل علاقاته القبلية وقدرته على إدارة شبكات من المسلحين في رفح.
ظهوره السريع بعد موت قائده حمل رسالة واضحة: استمرارية الجماعة، وقدرتها على الصمود رغم الضربات.
خلفية مقلقة: من “جيش الإسلام” إلى غزة تحت النار
ما يجعل الدهيني شخصية أكثر إرباكاً هو تاريخه الأمني المعقّد. فقد عمل سابقاً داخل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، قبل أن ينتقل للقتال ضمن “جيش الإسلام”، الجماعة السلفية ذات الصلات بتنظيم الدولة (داعش).
هذه التحولات الحادة تعكس شخصية براغماتية، تتقن الحركة بين الفصائل حين تتغير موازين القوى. كما أنها تُظهِر شبكة علاقات تمتد بين التيارات الدينية، والقبائل، وحتى الأجهزة الأمنية.
اتهامات متشابكة.. بين حماس وإسرائيل
بعد بروزه على الساحة، سارعت حماس إلى اتهامه بالعمل مع إسرائيل، وربما استكمال مسار أبو شباب الذي أثيرت حوله الاتهامات ذاتها.
وفي المقابل، قالت القناة 12 الإسرائيلية إن الدهيني تولى منذ فترة قيادة عمليات ميدانية تهدف إلى مواجهة حماس في رفح، وتنفيذ اعتقالات ومصادرة معدات، وحتى إدارة مناطق “منزوعة السلاح”، على حد وصفه.
هذا المشهد يزيد من الضبابية حول دوره، ويوحي بأن الصراع لم يعد فقط بين الفصائل، بل داخل المجتمع نفسه.
قبيلة الترابين.. بين التبرؤ والارتباك
ينحدر الدهيني من قبيلة الترابين، القبيلة نفسها التي خرج منها أبو شباب. وهذه الخلفية تعزز مكانته الاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه تعبّر عن أزمة داخلية.
فبعد أن سارعت شخصيات في القبيلة إلى التبرؤ من أبو شباب، أصبح على الدهيني أن يعمل في بيئة قبلية مشحونة بالاتهامات والخلافات.
“القوات الشعبية”.. مشروع هش في زمن الفوضى
تقدّر مراكز أبحاث إسرائيلية عدد عناصر “القوات الشعبية” بين 100 و300 مقاتل، معظمهم من ضباط الأمن السابقين.
الجماعة نفسها نشأت عام 2024 كقوة بديلة تسعى إلى موازنة نفوذ حماس في الجنوب، لكنها ظلت محاطة بتساؤلات كبيرة:
من يديرها فعلياً؟
وما حدود تحركها؟
وهل هي مشروع محلي أم وكيل لقوى خارجية؟
ما الذي ينتظر غسان الدهيني؟
ظهوره الأخير في مقطع مصور أعطى انطباعاً بأن الرجل يسعى لتثبيت سلطته بسرعة، خصوصاً عبر خطاب يتحدث فيه عن “تهيئة مناطق آمنة للمدنيين”.
لكن واقع غزة، ومعادلات القوة على الأرض، والحسابات الإقليمية المتشابكة، تجعل مهمته أقرب إلى السير فوق حقل ألغام سياسي وأمني.
هو الآن أمام تحديين أساسيين:
تجنب مصير أبو شباب في بيئة يسهل فيها الاغتيال والملاحقة.
إثبات أن “القوات الشعبية” ليست مجرد وسيط أمني عابر، بل قوة يمكنها البقاء في المشهد المتغيّر.
خلاصة
من شخصية غير معروفة إلى قائد لجماعة مسلحة تتصدر العناوين الدولية، يقف غسان الدهيني اليوم في قلب واحدة من أكثر القضايا حساسية في غزة:
من يحكم الجنوب؟ ومن يملك حق القوة؟
وجوده يمثل علامة استفهام كبيرة في لحظة فلسطينية وإقليمية مضطربة، ويبدو أن الأيام المقبلة هي وحدها القادرة على كشف حجم دوره الحقيقي.



