السويداء بين “الرواتب المعلقة” و”الغطاء العشائري”.. النظام يواصل خنق المدينة
البكور يعلن إجراءات “تسهيل الصرف”.. فيما يبقى الجوع أداة سياسية لإخضاع الدروز
خيبر أونلاين – السويداء
إجراءات ظاهرها إنساني وباطنها سياسي
بينما يغرق الجنوب السوري في فوضى اقتصادية خانقة، أعلن محافظ السويداء مصطفى البكور عن إجراءات جديدة لتسهيل صرف رواتب الموظفين عبر خدمة “شام كاش”.
لكن خلف هذا الإعلان “الإنساني” الظاهر، تقرأ مصادر محلية محاولة ممنهجة من النظام السوري لإعادة إحكام السيطرة على السويداء، عبر أدوات مالية وإدارية، لا تقل قسوة عن الأدوات الأمنية.
فالمحافظة التي تعاني من توقف دورة صرف الرواتب لأشهر، والاعتماد شبه الكامل على مساعدات المنظمات الدولية، تعيش منذ فترة في حالة شلل اقتصادي، توازي حصاراً غير معلن يفرضه النظام على مناطق المعارضة والاحتجاج.
“شام كاش”.. أداة مراقبة أكثر من كونها خدمة
طلب البكور من مديري الدوائر الحكومية تقديم جداول بأسماء الموظفين وأرقام هواتفهم المرتبطة بخدمة “شام كاش”، بحجة تسهيل التحويلات المالية.
لكن ناشطين في السويداء أكدوا لـ خيبر أونلاين أن الخطوة ليست سوى وسيلة جديدة لمراقبة العاملين والناشطين، من خلال ربط بياناتهم المصرفية بأجهزته الأمنية، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات ضد سياسات دمشق الاقتصادية.
ويشير مراقبون إلى أن النظام يستخدم هذه الإجراءات كوسيلة ضغط سياسية واجتماعية، تعاقب المناطق الخارجة عن طاعته بقطع الرواتب وتعطيل الخدمات، لتصبح لقمة العيش جزءاً من معركة الولاء.
صراع مصطنع.. والدرزي في مرمى “العشيرة”
قبل أسابيع فقط، شهدت المحافظة اشتباكات دامية بين مجموعات درزية ومسلحين من عشائر البدو، وصُوّرت إعلامياً على أنها صدامات “محلية”، فيما كانت في الواقع عملية مدبّرة لإضعاف الحراك الدرزي وتفكيك تماسكه.
تقول مصادر محلية إن القوات الأمنية السورية لعبت دوراً خفياً في تغذية التوتر، عبر تسليح مجموعات موالية للعشائر، وتغذية خطاب الكراهية الطائفي، ثم التدخل لاحقاً تحت عنوان “إعادة الأمن”.
بهذا الأسلوب، ينجح النظام في تحويل العنف السياسي إلى نزاع اجتماعي، فيغسل يديه من الدماء بينما يبقى المدنيون هم الضحايا.
الدرزي بين العصيان والابتزاز
منذ اندلاع احتجاجات السويداء منتصف العام الماضي، رفع الأهالي شعارات تطالب بإنهاء سلطة الأجهزة الأمنية ووقف التجنيد الإجباري.
وردّ النظام بسياسة مركّبة تقوم على الابتزاز المالي والتضييق الإداري والتهديد الأمني.
ففي كل مرة تطالب المحافظة بحقوقها، ترد دمشق بتأجيل الرواتب أو قطع التمويل عن المؤسسات المحلية، لتذكّر الدروز بأن “الرزق” يمر عبر بوابة النظام فقط.
البيان الثلاثي ومأزق الحكم الذاتي
رغم البيان الثلاثي الذي صدر بين الولايات المتحدة والأردن وسوريا، والذي يؤكد على “اندماج السويداء في الدولة السورية”، فإن الواقع على الأرض يشير إلى انقسام حاد في الولاءات والسلطة.
الشيخ حكمت الهجري لا يزال متمسكاً بما يسميه “حق تقرير المصير”، في وقت يسعى النظام إلى تقويض هذا الصوت من خلال أدوات اقتصادية واجتماعية ناعمة، تبدو إدارية في الشكل، لكنها سياسية في الجوهر.
خاتمة خيبر أونلاين
من السويداء، حيث يتقاطع الجوع بالسياسة، والراتب بالأمن، والعشيرة بالطائفة، يظهر وجه النظام السوري كما هو:
سلطة لا تعرف سوى أسلوب الخنق التدريجي لمعارضيها، سواء بالقصف أو بالتجويع أو بالتقسيم الاجتماعي.
وتبقى السويداء اليوم رمزاً للتمرد الصامت في وجه سلطة تحاول تغليف عنفها بـ”خدمات” كـ”شام كاش”، لكنها في الحقيقة تشتري الولاء وتبيع الصمت.



