"العشائر بين المطرقة والسندان".. دمشق تراهن وتركيا تضغط والأكراد يستعدّون للأسوأ
بينما تحاول دمشق استثمار ورقة العشائر لإضعاف "قسد" ودمجها في مؤسسات الدولة، تتحرك أنقرة لتعزيز نفوذها عبر البنية القبلية في الشرق، في وقت تراقب فيه تل أبيب المشهد بقلق متزايد خشية تمدد النفوذ التركي ع

من التوتر إلى المواجهة المحتملة
منذ تأسيس "قوات سوريا الديمقراطية" عام 2015 بدعم أميركي، ظلّت العلاقة مع العشائر العربية في الرقة ودير الزور والحسكة علاقة متأرجحة: تعاون عسكري مرحلي ضد "داعش"، يقابله نفور اجتماعي وسياسي من سيطرة كوادر كردية على القرار. ومع سقوط نظام بشار الأسد نهاية 2024 وصعود حكومة أحمد الشرع، أعادت العشائر ترتيب أوراقها، مطالبةً بتمثيل أوسع، وإعادة دمج مناطقها في سلطة الدولة المركزية.
إعلانات تأسيس "مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة والفرات" في أبريل الماضي، وبيانات قبائل كبرى في يوليو تطالب قسد بتسليم السلاح ودمج مقاتليها بالجيش، كلها مؤشرات على اتجاه تصادمي قد يشعل شمال وشرق سوريا من جديد.
الحسابات الإقليمية.. بين أنقرة وتل أبيب
تتهم أطراف سورية معارضة قسد بالارتهان لواشنطن وباريس، فيما تتهم قسد العشائر بأنها ورقة بيد الاستخبارات التركية. أنقرة، التي ترى في وحدات حماية الشعب (YPG) تهديداً وجودياً لأمنها القومي، عملت على اختراق البنية الاجتماعية في الشرق السوري، عبر قنوات عشائرية وسياسية، وتوظيفها لمواجهة مشروع "الإدارة الذاتية".
لكن المشهد لا يقتصر على تركيا وحدها؛ فإسرائيل، بحسب تقارير مراكز أبحاث غربية، تتابع الملف العشائري في سوريا بدقة، وتبدي اهتماماً خاصاً بدعم الدروز والأقليات في الجنوب، كجزء من استراتيجيتها لقطع الطريق أمام النفوذ الإيراني والتركي على السواء. وهنا يبرز سيناريو صدام غير مباشر بين أنقرة وتل أبيب على الأرض السورية، عبر "بوابة العشائر".
معادلة دمشق الجديدة
حكومة أحمد الشرع ترى أن الوقت مناسب لتفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية، مستخدمة العشائر كرافعة داخلية. الشيخ مضر حماد الأسعد صرّح لـ"الحرة" أن العشائر "لن تقبل باستمرار سلطة الأمر الواقع"، محذراً قسد من "نزيف دماء جديد" إن لم تلتزم بالاتفاق مع الحكومة الموقّع في مارس الماضي.
بالمقابل، يرد قياديون في قسد بأن العرب يشكّلون 60% من مقاتليها (نحو 100 ألف عنصر) وأنهم ممثلون في المجالس المحلية، معتبرين أن أي "حرب عشائرية" ضد قسد ستفشل، تماماً كما فشلت محاولات النظام السابق في إشعال فتنة عربية-كردية.
سلاح بوجهين
بينما تحذر شخصيات كردية من "استخدام العشائر كقوة مرتزقة لصالح تركيا"، يرى خبراء أن دمشق نفسها قد تلجأ إلى "سلاح العشائر" كأداة لإضعاف قسد، قبل دمجها لاحقاً في الجيش الوطني. المعارض السوري مالك أبو خير وصف العشائر بأنها "أداة ضمن خطة تركية-إقليمية لإعادة صياغة الجغرافيا السورية".
سيناريوهات ما بعد "مجازر الساحل"
الأحداث الدموية التي شهدها الساحل السوري في مارس، وأوقعت أكثر من 1400 قتيل من الطائفة العلوية، أعادت هواجس الأقليات السورية إلى الواجهة. قسد، المتخوفة من انتقال نمط "المجازر" إلى مناطقها، كثّفت اجتماعاتها مع وجهاء العشائر لاحتواء التوتر. لكن التباينات العميقة حول التجنيد الإجباري وتوزيع السلطة السياسية تجعل هذه الجهود عرضة للفشل.
خاتمة: كرة نار على حافة الانفجار
اليوم، تتوزع خريطة النفوذ في الشرق السوري بين قوات قسد المدعومة أميركياً، والعشائر العربية المنقسمة بين ولاءات متعددة، وحكومة دمشق الساعية لاستعادة السيطرة، وتركيا التي لا تخفي نواياها الإقليمية. في هذا المشهد المشتبك، تبقى العشائر "كرة نار" يمكن أن تتحوّل إلى أداة توحيد أو إلى وقود لحرب أهلية جديدة.




