لبنان بين “اتفاق غزة” واحتمالات التصعيد
مع انحسار العمليات العسكرية في غزة وهدوء أصوات القصف، تتجه الأنظار إلى لبنان وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كانت تداعيات “اتفاق السلام” في القطاع ستصل إلى الجنوب اللبناني.
خلفية الارتباط بين الجبهتين
منذ نحو عامين، أعلن حزب الله فتح ما أسماه “جبهة دعم غزة”، حيث نفّذ سلسلة هجمات صاروخية واستطلاعية ضد إسرائيل ضمن قواعد اشتباك محدودة لم تدم طويلاً، قبل أن تتوسع العمليات الإسرائيلية براً وجواً داخل الأراضي اللبنانية.
هذا التداخل بين ساحتي غزة ولبنان لم يكن وليد اللحظة، بل يعكس ارتباطاً عميقاً في المعادلات العسكرية والسياسية بين الجبهتين، ما يجعل أي تحوّل في القطاع مؤشراً على تغيّرات محتملة في لبنان.
الحسابات الإسرائيلية الجديدة
تحليلات عسكرية لبنانية تشير إلى أن إسرائيل، بعد أن حققت مكاسب ميدانية في غزة، باتت تنظر إلى الشمال باعتباره التحدي المتبقي أمامها. مصادر أمنية في بيروت تتحدث عن “استنفار متبادل” على الحدود الجنوبية، وعن تصاعد في الطلعات الجوية الإسرائيلية يقابله تعزيز حزب الله لمواقعه.
وترى هذه المصادر أن أي حادث ميداني بسيط قد يشعل مواجهة واسعة، خصوصاً إذا رأت تل أبيب في التصعيد فرصة لإعادة رسم “قواعد اللعبة” بما ينسجم مع الترتيبات الجديدة في غزة.
العميد المتقاعد خالد حمادة يرى أن إسرائيل بعد إنهاء المعركة في غزة “تملك الآن حرية أوسع للتحرك في لبنان”، مضيفاً أن “انتهاء الخطر الحمساوي جنوباً يفتح الباب أمام مواجهة أكثر تركيزاً مع حزب الله شمالاً”.
مأزق الحزب بعد الاتفاق
أما على الصعيد الداخلي، فيواجه حزب الله وضعاً معقداً. فبعد سنوات من التذرع بدعم المقاومة الفلسطينية لتبرير احتفاظه بسلاحه، يجد الحزب نفسه أمام مرحلة جديدة تتراجع فيها مشروعية هذا الخطاب.
الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين يصف المشهد قائلاً: “الحزب عالق بين خيارين؛ مواجهة شاملة لا يريدها لما تحمله من كلفة، أو انكفاء سياسي يصعب تبريره لجمهوره”.
وتتزايد الضغوط الداخلية لنزع سلاح الحزب، مع تصاعد الأصوات التي تطالب بحصر القوة العسكرية بيد الدولة اللبنانية، حتى من داخل بعض الأوساط السياسية التي كانت تقف إلى جانبه سابقاً.
في المقابل، لا يخفي الموقف الإيراني دعمه لبقاء سلاح الحزب، وهو ما أكده مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي بقوله إن “نزع سلاح حزب الله حلم بعيد المنال”.
الأمين يوضح أن هذا السلاح “لم يعد قضية لبنانية بحتة، بل جزء من التفاهمات بين طهران وواشنطن”، مضيفاً أن إسرائيل تدرك هذا الارتباط وتتعامل معه ضمن حساباتها الإقليمية.
بين السلام والتصعيد
يرى دبلوماسيون غربيون أن المشهد الإقليمي يفرض ضغطاً متزايداً على لبنان للانخراط في مسار تفاوضي يشمل ترسيم الحدود وتسوية الملفات العالقة، في إطار ما يُعرف بإعادة بناء “الاستقرار الإقليمي”.
لكن حزب الله، وفق مراقبين، يرفض أي نقاش من هذا النوع، لأنه يمسّ جوهر دوره ووجوده كقوة مقاومة. ومع ذلك، فإن استمرار الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة في البلاد قد يدفع القوى اللبنانية إلى البحث عن مخرج تفاوضي يخفف الضغوط، خصوصاً في ظل غياب الدعم الخارجي.
العميد حمادة يرى أن إسرائيل “لن تذهب بالضرورة إلى حرب شاملة”، لكنها قد تعتمد سياسة “الضربات المركزة” لإضعاف الحزب تدريجياً وفرض واقع ميداني جديد في الجنوب.
أما الأمين فيؤكد أن “الحزب ليس في وارد إشعال حرب واسعة، لكنه يدرك أن تجميد الوضع الراهن إلى ما لا نهاية لم يعد ممكناً، وأن توازنات ما بعد غزة قد تفرض عليه إعادة تموضع صعب”.



