تسريبات القصر: حين سقط القناع عن بشار الأسد
حوار خاص يكشف احتقاراً للحلفاء وازدراءً للضحايا السوريين
في واحدة من أكبر التسريبات التي طالت الدائرة الضيقة للرئيس السوري السابق بشار الأسد، ظهرت مقاطع مصورة تكشف طبيعة النقاشات الداخلية، وتسلط الضوء على مستوى السخرية واللامبالاة التي كانت تحكم طريقة تعامل النظام مع حلفائه، ومع معاناة السوريين على حد سواء.
هذه التسريبات - التي وصفت بأنها الأكثر حساسية منذ سقوط النظام - لا تكشف فقط عن نظرة الأسد لفريقه أو لشعبه، بل تكشف أيضاً عن شكل العلاقة المعقّدة التي كانت تربط دمشق بموسكو، وعن واقع داخلي غارق في الفساد والتحلل.
تقييم ساخر للحليف الروسي
أظهرت المقاطع المسربة لونا الشبل وهي تتحدث للأسد بلهجة ساخرة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إشارة إلى شكله وسنه، بينما يرد الأسد بطريقة لا تقل سخرية، ما يعكس مستوى غير مسبوق من التبخيس لشريك كان يُقدَّم دائماً بوصفه الداعم الأول لبقاء النظام.
ورغم أن روسيا دفعت أثماناً سياسية وعسكرية كبيرة لدعم الأسد، فإن الخطاب الخاص داخل القصر كشف عن استهزاء واضح بالرجل الذي طالما ظهر على أنه الضامن لبقاء النظام السوري.
ازدراء واضح لمعاناة السوريين
تكشف التسريبات أن الأسد كان على اطلاع مباشر على جرائم عناصره، بل ويعلّق عليها بسخرية. تظهر لونا وهي تحكي عن حوادث تسميم وقتل وابتزاز داخل القوات النظامية، بينما يختار الأسد التعليق عليها بخفة، وكأنها أخبار هامشية.
وفي إحدى اللقطات، يعبّر الأسد عن شعور “بالقرف” تجاه وضع البلاد، بطريقة بدت بالنسبة للضحايا نوعاً من الاستخفاف بالمآسي التي تسبب بها نظامه عبر سنوات الحرب.
انهيار صورة “الرئيس العسكري”
تظهر المقاطع أيضاً رغبة الأسد المتكررة في التقاط صور فوق دبابة أو وسط جنود، في محاولة لإعادة إنتاج صورة الرجل القوي. إلا أن تعليقاته الساخرة وإقراره بأنه لا يشعر بشيء عند رؤية صوره، تكشف عن فجوة بين الصورة الإعلامية والواقع النفسي داخل القصر.
وفي مكان آخر، يتبادل الأسد ولونا السخرية من ضباط جيشه، وصولاً إلى التهكم على لواء ظهر في أحد اللقاءات وهو يطلب تقبيل يد الأسد وقدمه.
الحلقات المفقودة في علاقة النظام بحزب الله
تتضمن التسريبات إشارات إلى امتعاض داخل القصر من أداء حزب الله. لونا تصف الحزب بأنه “كان يتباهى بقوته والآن لا صوت له”، بينما يرد الأسد بتعليقات تعكس شعوراً متراكماً تجاه تقلّب ميزان القوة بين دمشق والضاحية الجنوبية.
وبينما حاول النظام لسنوات الظهور كقائد لمحور المقاومة، تكشف المقاطع أن النقاشات الداخلية كانت تميل إلى التوجس من قوة الحزب، وربما من استقلاليته.
ماذا تكشف التسريبات حقيقة؟
هذه المواد المسربة لا تُظهر مشاهد خاصة فقط، بل تفكك سردية كاملة حاول النظام بناءها لسنوات. أهم ما تكشفه هو:
أن العلاقة مع روسيا لم تكن علاقة ندّية، ولا حتى علاقة احترام متبادل.
أن النظام كان يعرف تماماً حجم الجرائم والانتهاكات داخل جيشه، ويعاملها كأحاديث يومية عادية.
أن القيادة السورية كانت تنظر للشعب، بما في ذلك مؤيدوها، من موقع استعلاء وازدراء.
أن الدائرة الضيقة لم تكن متماسكة كما حاول الإعلام الرسمي تصويرها.
ما بعد التسريبات: أصداء في سوريا وخارجها
انتشرت المقاطع بين السوريين بسرعة، وأثارت صدمة كبرى في بيئة النظام قبل معارضيه. فالمؤيدون وجدوا أنفسهم أمام نسخة من “القائد” تختلف جذرياً عن الصورة المصقولة التي رُسمت على الشاشات. أما المعارضون فاعتبروا هذه التسريبات فرصة لتثبيت ما كانوا يقولونه منذ بداية الثورة: النظام لم يكن ينظر للسوريين إلا كأرقام في معادلة البقاء.
وفي حين تستمر التحليلات في تفسير أسباب ظهور هذه المقاطع اليوم، يبقى المؤكد أنها ستغيّر طريقة قراءة السوريين - وربما العالم - لشخصية بشار الأسد ولطبيعة السلطة التي حكمت سوريا لعقود.



