تركيا: تهديد لإسرائيل… وشريك لواشنطن؟
بين صعود الدور الإقليمي لأردوغان وتبدّل خرائط النفوذ… أنقرة تعيد رسم توازن الشرق الأوسط
خَيْبَر أونلاين – تحليل سياسي
ملامح مشهد جديد تتشكل بصمت
من أنقرة إلى تل أبيب مروراً بالقاهرة وواشنطن، تشهد المنطقة مساراً دقيقاً يعاد تشكيله بهدوء.
تركيا، التي كانت تُصنّف لسنوات خصماً لإسرائيل وحليفاً صعباً للولايات المتحدة، أصبحت اليوم محوراً لا يمكن تجاوزه في ملفات غزة وسوريا وليبيا وشرق المتوسط.
ومع أن الدور التركي لا يظهر بكامل حجمه في العلن، تشير تقديرات سياسية وأمنية إلى أن أنقرة لعبت دوراً مفصلياً في إنهاء الحرب على غزة، وفي الوقت نفسه تُنظر إليها في إسرائيل كأحد أبرز مصادر القلق الاستراتيجي بعد إيران.
كيف تحولت تركيا إلى لاعب مركزي في معادلة معقدة تضم واشنطن وتل أبيب والقاهرة؟ وما الذي تسعى إليه أنقرة فعلاً؟
القاهرة – أنقرة: عودة ما بعد “العصر الجليدي”
في 12 نوفمبر، عقدت تركيا ومصر اجتماعاً هو الأهم منذ سقوط حكم الإخوان.
اللقاء حمل دلالات عميقة:
عودة الكيمياء الشخصية بين السيسي وأردوغان،
إدراك القاهرة أن نفوذ تركيا يمتد من السودان إلى ليبيا وغزة،
وقبول مصري واقعي بدور أنقرة في التأثير على حماس.
أوقفت تركيا نشاط القنوات السياسية للإخوان، ما أزال عقبة أساسية بين البلدين.
أما غزة، فقد كشفت لمصر حقيقة ثابتة: قطر فشلت في إقناع حماس، بينما تركيا نجحت.
إسرائيل: شريك اقتصادي… وتهديد استراتيجي
ترى تل أبيب اليوم أن تركيا تحولت إلى قوة جوار مباشر:
في سوريا،
في المتوسط،
وفي غزة من خلال نفوذ سياسي غير مباشر.
من منظور إسرائيلي، هذا يذكّر بـ”التهديد العثماني” بصيغة معاصرة.
لكن دوافع أنقرة مختلفة:
هدفها الأكبر استقرار سوريا لإعادة جزء من أربعة ملايين لاجئ يشكلون عبئاً سياسياً واقتصادياً قبيل انتخابات 2027-2028.
ورغم استمرار التجارة بين البلدين، تبقى العلاقة في دائرة “الأزمة الدائمة”: لا قطيعة كاملة، ولا تطبيع حقيقي.
مثلث ترامب – أردوغان – نتنياهو: توازن بالإكراه
في المشهد المعقد، يؤدي ترامب دور “الموازن”:
يمنع Israel من توسيع ضرباتها في سوريا،
يمنع تركيا من التدخل العسكري في غزة،
يرسم حدود نفوذ: غزة لإسرائيل… سوريا لتركيا.
هذا التوازن الهش يخدم واشنطن ويضمن استقراراً نسبياً في لحظة حساسة.
القوة الدولية في غزة: وجود تركي مستبعد
رغم الحديث عن مشاركة تركية ضمن القوة الدولية، تُدرك أنقرة أن دخول قواتها إلى غزة سيفتح احتمالات خطيرة، منها صدام مباشر مع الجيش الإسرائيلي.
لذلك ستكتفي بالدور المدني والإغاثي، مع تمسّك واضح بتشكيل مسار سياسي نحو حل الدولتين الآن وليس لاحقاً.
القلق الإسرائيلي الحقيقي: النفوذ لا النوايا
إسرائيل تعلم أن تركيا ليست إيران:
تركيا اعترفت بإسرائيل منذ 1949،
لا تسعى لإبادتها،
لكنها تسعى لزيادة نفوذها الإقليمي.
لذلك يصبح الخوف إسرائيلياً من “القدرة” وليس من “النية”.
السياسة المتعددة الاتجاهات: قوةٌ فوق الوزن… أم عبءٌ زائد؟
تركيا تتحرك على أكثر من مسرح في الوقت نفسه:
الشرق الأوسط
أوروبا
إفريقيا
القوقاز
أوكرانيا
المتوسط
هذه السياسة تجعلها لاعباً محورياً وشريكاً صعباً على حدّ سواء.
القوة الحقيقية لتركيا ليست فقط في الرئاسة أو الحزب، بل في مؤسسات دولة عمرها مئات السنين – وهو ما يغفله مراقبون كثيرون.
نقطة الانكسار المحتملة: سوريا
الرهان التركي الأكبر هو استقرار سوريا.
أيّ انهيار جديد هناك سيعني:
عودة داعش،
موجات لجوء جديدة،
تهديدات كردية،
فوضى على طول الحدود.
وهذا خط أحمر لأنقرة.
خَيْبَر أونلاين: ماذا تريد تركيا؟
تركيا لا تسعى لقيادة الشرق الأوسط بقدر ما تسعى لمنع الفوضى على حدودها، وإثبات دور لا تريد واشنطن أن تقوم به بنفسها.
هي لاعب يناور بين القوى الكبرى، ويستخدم ملفات غزة وسوريا وليبيا لتعزيز موقعه أمام البيت الأبيض… لا أمام إسرائيل فقط.
في الشرق الأوسط الجديد،
تركيا ليست حليفاً ثابتاً ولا خصماً ثابتاً،
بل قوة تتشكل وفق مصالحها، وتعيد رسم خريطة المنطقة… بصمت وبثبات.



