بيروت التي تغيّرت: كيف ابتلعت الضاحية هويتها القديمة وصاغت نفوذها الجديد؟
منطقة واحدة تجمع التاريخ والسلطة والفقر والازدهار… وصورة معقّدة لحزب الله والناس
من ساحل المتن الجنوبي إلى “عاصمة حزب الله”
لا تحتاج الضاحية الجنوبية لبيروت إلى تعريف. فالمنطقة التي كانت يوماً بساتين حمضيات وزهر ليمون، تحولت خلال نصف قرن إلى مركز سياسي - أمني - اجتماعي متكامل، يرتبط مباشرة بنفوذ حزب الله.
لم تكن الضاحية منطقة شيعية في الأصل، بل خليط من قرى مسيحية وبلدات صغيرة. لكن الحرب الأهلية، والنزوح من الجنوب والبقاع، أعادا رسم هويتها بالكامل.
التحول الديموغرافي: كيف تغيّرت الضاحية؟
الباحث عباس هدلي يقول إن المنطقة “خرجت من عباءة العيش المشترك” وتحولت تدريجياً إلى مساحة ذات لون واحد نتيجة التمدد العمراني العشوائي وسيطرة القوى المسلحة.
ورغم بقاء أسماء بلدات مسيحية كالمريجة والليلكي، إلا أن سكانها اليوم من الوافدين الجدد بعد الحرب.
الخدمات.. الدولة الغائبة والحزب البديل
منذ التسعينيات، رسّخ حزب الله حضوره عبر مؤسسات صحية، واجتماعية، وتعليمية، ملأت الفراغ الذي تركته الدولة.
يقول هدلي إن الحزب “لا يريد الاندماج داخل الدولة، بل يرغب في موازاتها”، والدليل: مراكز رسمية تموّلها الدولة لكن يديرها الحزب.
كم يبلغ عدد سكان الضاحية فعلاً؟
الأرقام شائعة: مليون… مليون ونصف…
لكن الخبير الإحصائي ربيع الهبر يفنّد ذلك بالكامل.
العدد الفعلي: 333 ألف نسمة
الحد الأقصى المحتمل: لا يتجاوز 400 ألف
التركيبة الطائفية:
90% شيعة
أقل من 7% سنة
3% مسيحيون تقريباً
ليست فقراً بالكامل… وليست رفاهية بالكامل
“الضاحية مش لون واحد”، تقول غالية ضاهر، المقيمة منذ 30 عاماً.
فالمنطقة تجمع:
أحياء فقيرة جداً (حي السلم، صحراء الشويفات)
أحياء متوسطة
أحياء غنية بأسعار عقارات تتجاوز مليون دولار
المال القادم من الشتات الشيعي هو المحرك الأساسي للطبقة الثرية، بحسب الهبر.
حرب 2023: نقطة انقلاب جديدة
عمليات القصف والاغتيالات الأخيرة خلقت موجة نزوح داخلية ضخمة:
250 ألف نازح من الضاحية
بقي فيها فقط بين 120 و127 ألفاً
تراجع كبير في أسعار الشقق (من 500 ألف إلى 250–300 ألف دولار)
ارتفاع جنوني للإيجارات في المتن وعاليه وبعبدا
بين الخوف والولاء
هل تراجعت شعبية حزب الله بعد الخسائر الأخيرة؟
الهبر يجيب:
لا تغيير داخل الجمهور الشيعي
انهيار كامل لشعبية الحزب لدى السنة والمسيحيين والدروز
“اللوم موجود… لكن الولاء ثابت”، يقول الهبر.
“الضاحية مش ثكنة… هون في خوف، بس في حياة”
غالية التي عاشت انفجار اغتيال الطبطبائي قرب منزلها ترفض الرحيل:
“مع كل الخوف… الضاحية بيتنا”.



