الخليج أمام مفترق جديد: هل يبدأ زمن ما بعد الإخوان؟
تحولات واشنطن تفتح باباً سياسياً حساساً في المنطقة الخليجية
تجد دول الخليج نفسها أمام مرحلة سياسية مختلفة، بعدما أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يمهّد لتصنيف فروع من جماعة الإخوان المسلمين كـ “منظمات إرهابية أجنبية”، في خطوة أطلقت نقاشات واسعة حول مستقبل الجماعة في دول الخليج، وحول كيفية تعامل العواصم الخليجية مع التوجّه الجديد داخل واشنطن.
ورغم أن القرار الأميركي لا يحمل صفة التنفيذ الفوري، فإنّه يضع ثقلاً سياسياً على الحكومات الخليجية التي تختلف مواقفها حيال الجماعة بين التجريم الكامل أو التنظيم المحدود أو غضّ الطرف الاجتماعي.
تأثيرات محتملة في المنطقة الخليجية
يرى الدكتور محمد الوهيب، أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة الكويت، أن القرار الأميركي “لن يمرّ بلا أثر”، معتبراً أن اللحظة الدولية تمنح دول الخليج فرصة لإعادة ضبط علاقتها مع الحركات الإسلامية السياسية، خصوصاً تلك التي عملت تاريخياً ضمن خلايا تنظيمية غير معلنة.
ويشير الوهيب إلى أن تأخر بعض الدول الخليجية في اتخاذ قرارات حاسمة كان نتيجة حساسية اجتماعية وقبلية ودينية، وليس بسبب غياب المعلومات حول شبكات الإخوان التي نشطت لعقود عبر الجمعيات الأهلية، والمنابر التعليمية، والأنشطة السياسية وانتخابات البرلمان.
جذور النفوذ الإخواني في الخليج
دخل فكر الإخوان إلى الخليج في الأربعينيات عبر معلمين وطلاب وموظفين، مستفيداً من بيئة كانت تبحث آنذاك عن خطاب ديني جديد قادر على استيعاب التحولات الاقتصادية والاجتماعية. لكن هذا النفوذ تراجع بعد 2011 حين وصلت الجماعة إلى الحكم في مصر، ما دفع دولاً عدة إلى تفكيك شبكاتها أو حظر نشاطها.
ومع ذلك، يعتقد الوهيب أن “الإخوان لم يختفوا تماماً من الخليج”، بل تراجع حضورهم المؤسسي وبقيت آثارهم الفكرية والاجتماعية تظهر عبر أفراد أو رموز داخل المجتمع، وليس عبر تنظيمات منظمة.
حالة استثنائية: عمان خارج المعادلة التقليدية
يقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد الشيزاوي إن سلطنة عمان شكّلت حالة مختلفة في التعاطي مع الجماعة، إذ اعتمدت سياسة تقوم على الحياد والتوازن واحتواء التيارات الفكرية ضمن سقف القانون. لذلك يظهر الوجود الإخواني في عمان “كجزء من فسيفساء فكرية” وليس كمشروع سياسي سرّي كما في دول أخرى.
ويشير الشيزاوي إلى أن القرار الأميركي لا يعني أن جميع المنتمين فكرياً للإخوان أصبحوا مصنّفين كإرهابيين، بل يركز على فروع محددة مرتبطة مباشرة بحماس، وهو ما يعكس - برأيه - حسابات إقليمية أكثر من كونه تغييراً جذرياً في الموقف الأميركي.
ضغوط خارجية.. ومخاوف داخلية
يتوقع الشيزاوي أن تواجه دول الخليج تحديات دبلوماسية خارجية، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية التي لا تتبنى التصنيف الأميركي. أما داخلياً، فيحذر من أن أي تجريم مفاجئ قد يدفع الشباب المحافظ أو المتعاطف إلى السرية أو الهجرة وتأسيس معارضات في الخارج، كما حدث في ستينيات القرن الماضي.
لحظة سياسية جديدة
يبدو أن قرار ترامب فتح الباب أمام مرحلة سياسية غير واضحة المعالم بالنسبة للإخوان في الخليج. فبين رغبة واشنطن في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وحدود الخيارات المتاحة أمام العواصم الخليجية، يبقى مستقبل الجماعة معلّقاً على توازنات داخلية وخارجية ستتضح تدريجياً في الأسابيع المقبلة.



