تحالفات جديدة ترسم مستقبل سوريا وإسرائيل
بعد عقود من المواجهة المباشرة والعداء العقائدي، تدخل العلاقات بين دمشق وتل أبيب منعطفًا استثنائيًا، يتجسد في لقاءات سرية وتنسيق أمني برعاية قوى دولية.
تحولات ما بعد سقوط الأسد تفتح الباب أمام تفاهمات غير مسبوقة.. لكن عقدة الجولان والاضطرابات الداخلية تبقي السلام الشامل بعيد المنال
شهدت العلاقات السورية – الإسرائيلية منذ ديسمبر الماضي تحوّلات دراماتيكية، عقب سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى السلطة.
ما كان في السابق من “المستحيلات السياسية” صار اليوم واقعًا قيد التشكل، مع لقاءات سرية في باكو وباريس، وضغوط أميركية مباشرة لضم دمشق إلى مسار “اتفاقات أبراهام”.
لكن رغم هذا الزخم، فإن ما يجري لا يزال أقرب إلى “تفاهمات أمنية محدودة” منه إلى عملية سلام شاملة.
التحول في الخطاب السوري
فور استلامه السلطة، أعلن الشرع عن استعداده لـ”سلام عادل” مع إسرائيل، في خطاب مثّل قطيعة كاملة مع خطاب الأسد الذي جعل من مواجهة إسرائيل شعارًا أيديولوجيًا.
منح الشرع الضوء الأخضر لمسؤوليه للانخراط في لقاءات سرية، أبرزها الاجتماع الذي جرى في مايو في العاصمة الأذربيجانية باكو، بحضور وفود سورية وإسرائيلية وتركية.
هذا الاجتماع ركّز على قضايا حساسة مثل ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح الإيراني عبر الأراضي السورية إلى حزب الله.
الدور الأميركي والإقليمي
واشنطن سارعت إلى الاستثمار في اللحظة. فقد التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرع في الرياض، داعيًا إياه صراحة للانضمام إلى اتفاقيات أبراهيم مقابل رفع العقوبات الأميركية عن دمشق.
لاحقًا، جرى لقاء آخر في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووفد إسرائيلي، مع تقارير عن لقاء مرتقب بينه وبين الوزير الإسرائيلي رون ديرمر.
إلى جانب واشنطن، لعبت الإمارات وقطر – قبل الغارة الإسرائيلية على الدوحة التي استهدفت قيادات حماس – أدوارًا وساطية في تهيئة الأجواء.
معضلات ميدانية وسياسية
رغم الزخم الدبلوماسي، فإن طريق دمشق – تل أبيب مليء بالعقبات:
ملف الجولان: بالنسبة للسوريين “أرض محتلة”، بينما تعتبر إسرائيل ضمها عام 1981 نهائيًا وغير قابل للنقاش.
الداخل السوري المضطرب: من مجازر السويداء إلى الانقسامات الطائفية، ما يجعل استقرار الحكم الجديد موضع شك.
خلفية الشرع الجهادية: كونه أحد مؤسسي جبهة النصرة سابقًا يثير قلقًا إسرائيليًا وغربيًا حول صدقيته.
انتشار الفصائل المسلحة: انخراط ميليشيات ذات ولاءات متباينة في صفوف الجيش السوري يزيد من صعوبة ضبط الملف الأمني.
إسرائيل على الأرض
منذ سقوط الأسد، وسّعت إسرائيل وجودها العسكري في ريف القنيطرة والجولان، وأقامت تسع قواعد جديدة، مبررة ذلك بحماية الأقليات وبمنع التمدد الإيراني.
هذا الانخراط المباشر مثّل سابقة تاريخية، وأكد أن إسرائيل لم تعد تكتفي بالمراقبة من بعيد.
إلى أين؟
حتى الآن، لا يتعدى ما يجري كونه “تطبيعًا أمنيًا سريًا” يخدم مصالح آنية للطرفين: دمشق تبحث عن شرعية ودعم اقتصادي، وإسرائيل تريد ضمان أمن حدودها ومنع تهريب السلاح.
لكن هذا المسار يظل هشًّا. فالجولان يظل خطًا أحمر، والداخل السوري ما زال في حالة غليان، بينما يقف الشرع أمام تحدي إثبات جديته في التحول من جهادي سابق إلى رئيس براغماتي.
“ما يجري هو تفاهم أمني لا أكثر، لكنه قابل للانهيار في أي لحظة إذا لم يُدعّم بترتيبات سياسية أوسع،” يعلّق الباحث السوري مالك الحافظ.
السيناريوهات المستقبلية: بين التفاهم والاصطدام
أمام هذا التحول غير المسبوق في العلاقات السورية – الإسرائيلية، تبدو الصورة مفتوحة على ثلاثة مسارات رئيسية:
استمرار التفاهم الأمني خلف الكواليس
من المرجح أن يواصل الطرفان التعاون الأمني والاستخباراتي بعيدًا عن الأضواء، بما يخدم مصلحة إسرائيل في تحجيم النفوذ الإيراني ومنع تهريب السلاح إلى حزب الله، ويخدم سوريا في كسب اعتراف ضمني بالنظام الجديد وتخفيف الضغوط الغربية.انفجار المواجهة بفعل الملفات الحساسة
قد تعود العلاقة سريعًا إلى نقطة الصفر إذا انفجرت قضايا مثل الجولان أو ملف الفصائل المسلحة، أو في حال استغلت قوى إقليمية ـ كتركيا أو إيران ـ التناقضات الداخلية في سوريا لتفجير المشهد.انتقال تدريجي نحو تطبيع علني
في حال نجحت واشنطن والرياض وباريس في لعب دور الضامن، قد نشهد خلال السنوات المقبلة تحوّل هذه اللقاءات السرية إلى اتفاقيات علنية، ربما على شاكلة “اتفاقات أبراهام معدلة”، لكن مع خصوصية سورية مرتبطة بالجغرافيا والملفات الشائكة.
في النهاية، سيبقى مصير هذه العلاقة مرهونًا بقدرة النظام السوري الجديد على ترسيخ شرعيته الداخلية، وبمدى استعداد إسرائيل لتقديم ضمانات حول القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها ملف الجولان.



