سوريا على خريطة الطاقة العالمية: شرق المتوسط يفتح بوابة جديدة لواشنطن
واشنطن تراقب بعيون استراتيجية.. و"غاز سوريا" يتحول من ملف محلي إلى ورقة جيواقتصادية كبرى
رغم أنها لم تكن يوماً لاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمي، تبدو سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تعيد رسم موقعها في معادلة الغاز في شرق المتوسط. فالتطورات الأخيرة، بدءاً من زيارة وفد شركة شيفرون الأميركية إلى دمشق، وصولاً إلى تزايد الاهتمام الأميركي بملف الطاقة الإقليمي، تشير إلى أن الساحل السوري لم يعد رقعة هامشية في لعبة النفوذ الدولي.
تقول مصادر في قطاع الطاقة إن مجرد دخول اسم شيفرون إلى العلن داخل دمشق يحمل دلالات سياسية تتجاوز الاقتصاد: إنه مؤشر على تبدّل المزاج الدولي تجاه سوريا، وعلى أن واشنطن بدأت تقارب الملف السوري من زاوية أمن الطاقة العالمي، لا من زاوية الصراع السياسي فقط.
شرق المتوسط.. من بحر مضطرب إلى خزّان عالمي للطاقة
تحول شرق المتوسط خلال العقد الأخير إلى أحد أهم أحواض الغاز في العالم. اكتشافات إسرائيل الضخمة، وطفرة الغاز في مصر، والتقدم المتسارع في قبرص، كلها جعلت المنطقة محوراً رئيسياً في أمن الطاقة الأوروبي.
وسط هذا المشهد، بقي الساحل السوري أقل المناطق استكشافاً. لكن خبراء يؤكدون أن المسوحات الناقصة لا تعني غياب المكامن المحتملة، بل غياب البيانات فقط. ومع اقتراب شركات غربية من الملف، يصبح السؤال: ماذا تخفي المياه السورية؟
شيفرون في دمشق: إشارة سياسية قبل أن تكون اقتصادية
رفضت شيفرون التعليق على تفاصيل اجتماعها مع الرئيس السوري أحمد الشرع، مكتفية بالقول إنها “تراجع الفرص الجديدة”.
لكن وفق الخبيرة لوري هايتايان، مجرد الحضور يحمل رسالة واضحة: واشنطن رفعت الفيتو غير المعلن عن دخول شركاتها إلى السوق السورية.
تقول هايتايان إن زيارة شيفرون “لا يمكن أن تتم دون ضوء أخضر سياسي”، خصوصاً أن الشركة الأميركية تمتلك حضوراً قوياً في مصر وإسرائيل وقبرص، ما يجعل التمدد شمالاً خطوة طبيعية في استراتيجية شرق المتوسط.
لماذا تهتم الولايات المتحدة بالغاز السوري الآن؟
الجواب لا يتعلق بسوريا وحدها، بل بأوروبا.
مع الحرب في أوكرانيا، وتراجع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، أصبحت كل نقطة غاز في شرق المتوسط ذات قيمة استراتيجية.
أي اكتشاف سوري محتمل قد يضيف ورقة جديدة في معادلة الطاقة الإقليمية. كما أن خطوط النقل نحو أوروبا، سواء عبر تركيا أو عبر ممرات المتوسط الأخرى، تجعل سوريا جزءاً من شبكة جيواقتصادية تمس مصالح واشنطن مباشرة.
حقول سوريا البرية.. كنوز أُنهكتها الحرب
قبل 2011، كانت سوريا تنتج نحو 8.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز، من حقول تدمر والجحّار والمهر وآراك والشاعر والرميلان.
لكن الحرب، وسيطرة داعش على بعض الحقول، والدمار الواسع، والعقوبات، كلها أدت إلى انهيار الإنتاج إلى أقل من النصف.
ومع وصول الرئيس الشرع إلى السلطة، تبحث دمشق عن شريك خارجي يعيد تشغيل قطاعها المنهك. وهنا يظهر الدور الأميركي – سواء سياسياً، أو عبر شركات القطاع الخاص.
تركيا.. الممر الذي قد يحسم مستقبل الغاز السوري
ترى هايتايان أن تركيا ستكون “الطريق الطبيعي” لأي غاز سوري مستقبلي، تماماً كما هي اليوم مسار الغاز الأذري إلى أوروبا.
وهذا يضع سوريا في قلب التوازن بين:
الولايات المتحدة
تركيا
الاتحاد الأوروبي
روسيا
بما يجعل الغاز السوري المحتمل جزءاً من صراع النفوذ، لا مجرد مشروع اقتصادي.
ما الذي يمكن أن يحدث لاحقاً؟
يرى خبراء أن دخول شركة مثل شيفرون إلى سورية، ولو استكشافياً، يحمل النتائج التالية:
إعادة دمج سوريا في ملفات شرق المتوسط
تخفيف تدريجي للمقاطعة الاقتصادية الغربية
تعزيز دور واشنطن كلاعب في مستقبل الطاقة الإقليمي
موازنة النفوذ الروسي المستمر في قطاع الطاقة السوري
احتمال إحياء ممرات أنابيب كانت مستبعدة لسنوات
في النهاية، يتحول الغاز السوري من ملف داخلي إلى ورقة تفاوضية دولية، قد تعيد رسم موقع دمشق في المشهد الإقليمي.



