مسيحيو سوريا بين الفوضى والانهيار: شهادات تكشف وجهاً آخر لما بعد سقوط الأسد
مسيحيو سوريا بين الفوضى والانهيار: شهادات تكشف وجهاً آخر لما بعد سقوط الأسد
شهادات من الجنوب: قتل وتمثيل بالجثث
منذ الأسابيع الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، وجد المسيحيون في الجنوب السوري أنفسهم أمام موجات عنف متسارعة، يصعب فصلها عن حالة الانهيار الأمني، وظهور قوى مسلّحة متنافسة، بعضها محلي وبعضها مدعوم إقليمياً.
كاميرا “الحرة” وثّقت شهادات لمدنيين مسيحيين تحدّثوا عن وقائع مباشرة، بينها:
اختطاف شبّان من قرى مسيحية واقتيادهم إلى مناطق نائية
قتل رجال بعد اتهامهم بالعمل مع النظام السابق
التمثيل بجثث مدنيين في بعض مناطق الريف الجنوبي
ويقول أحد الشهود: “لم نعد نعرف من يقتل من. كل فصيل يتهم الآخر، ونحن ندفع الثمن فقط لأننا أقلية بلا حماية.”
سقوط النظام.. ثم ماذا؟
على الرغم من أن كثيراً من المسيحيين لم يكونوا في الصف الأول مع النظام السابق، إلا أن انهيار الأجهزة الأمنية ترك فراغاً هائلاً.
هذا الفراغ استغلّته مجموعات مسلحة متعددة:
مجموعات عشائرية
فصائل محلية مدعومة من قوى إقليمية
شبكات تهريب وسلاح
خلايا متطرفة خرجت من مخابئها بعد سنوات من القمع
هذه القوى جميعها تعاملت مع المناطق المسيحية بوصفها ساحات مفتوحة أو مناطق رخوة يمكن السيطرة عليها.
ملفات خطف وابتزاز.. اقتصاد ظلّ جديد
أبرز ما برز بعد سقوط النظام هو تحوّل الخطف إلى اقتصاد موازٍ.
فقد رُصدت عمليات خطف لعناصر مسيحية، لا بهدف سياسي بحت، بل للحصول على فديات.
وتشير شهادات من مناطق في درعا والسويداء إلى أن بعض الفصائل كانت تتقاسم الأرباح، وأن عمليات الخطف أصبحت تجارة مربحة، خصوصاً ضد العائلات المسيحية التي يُعتقد أنها قادرة على الدفع.
كما تكررت حالات:
الاستيلاء على منازل لعائلات مسيحية نزحت خارج البلاد
وضع اليد على أراضٍ بحجة “الحماية”
فرض أتاوات على من تبقى منهم
استهداف دور العبادة: بين التخريب والرسائل
وثّقت منظمات محلية ودولية خلال العام الأول بعد سقوط النظام اعتداءات على كنائس صغيرة في ريف درعا وفي سهل حوران.
الاعتداءات لم تكن متزامنة، لكنها حملت رسائل:
بعضها بدافع انتقامي ضد مواقف الكنائس خلال الحرب
بعضها فوضوي ناتج عن غياب الدولة
وبعضها موجّه سياسياً لإثارة الخوف ودفع السكان إلى الهجرة
كنيسة “مار جرجس” في إحدى القرى الجنوبية، ظهرت في تسجيلات بـ“الحرة” وقد تعرّضت إلى تخريب واضح، بينما لم يُعرف الجهة المنفذة حتى الآن.
صمت دولي.. وتراجع التمثيل
رغم المطالبات المستمرة، لم يصدر موقف دولي واضح بشأن حماية المسيحيين بعد انهيار النظام، باستثناء بيانات خجولة من الاتحاد الأوروبي والكرسي الرسولي.
وبحسب باحثين محليين، تراجع الوجود المسيحي في الجنوب بنسبة 40 إلى 60% خلال عام واحد، ما يهدد بتغيير ديموغرافي لا يمكن التراجع عنه.
شهادات عن محاكم ميدانية
من بين الشهادات الأكثر صدمة تسجيلات تتحدث عن محاكم شعبية أقامتها بعض المجموعات المسلحة.
هذه المحاكم كانت تحاكم مواطنين بتهمة “التعامل مع النظام السابق”، وغالباً بلا أدلة، ويُنفّذ الحكم ميدانياً.
شخص من بلدة قريبة من القرى المسيحية قال:
“من يعارضهم يتهمونه مباشرة بأنه من بقايا النظام، وخاصة المسيحيين لأنهم أقلية ويسهل استهدافهم.”
النازحون المسيحيون: رحلة بلا أفق
العديد ممن نزحوا من الجنوب لم يجدوا طريقاً آمناً إلى خارج البلاد.
طرق الهروب نحو لبنان عبر البقاع أصبحت محفوفة بالمخاطر، فيما يشكو كثيرون من ابتزاز على الحواجز غير الرسمية.
بعض العائلات انتقلت إلى دمشق أو وادي النصارى في حمص، لكن الغالبية لا تملك القدرة المالية للاستقرار الدائم.
هل تتحسن الأوضاع؟
تؤكد مصادر أمنية محلية أن الوضع “غير مستقر”، وأن تعدد الجهات المسلحة يجعل حماية الأقليات شبه مستحيلة في المدى القريب.
ويرى محللون أن المسيحيين في سوريا يتحولون تدريجياً من مكوّن أصيل وفاعل إلى جماعة مُهمّشة ومنكفئة تسعى فقط للبقاء.
خلاصة: مجتمع يتفكك وحقوق تُمحى
تكشف شهادات “الحرة” والوثائق المصورة حجم المأساة التي تعيشها المجتمعات المسيحية في الجنوب السوري.
فهي اليوم أمام واقع جديد:
غياب الدولة
تعدد القوى المسلحة
عجز دولي
وفقدان الشعور بالأمان
المرحلة المقبلة لا تحمل مؤشرات إيجابية، ما لم تتشكل سلطة مركزية قادرة على حماية جميع السوريين، بلا استثناء.



