القوات الموالية للنظام السوري تستأنف حملتها الدموية ضد الدروز في سوريا
اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بوساطة جهود دبلوماسية مكثفة من الولايات المتحدة، كان قائمًا منذ 19 يوليو 2025، عقب أسبوع من إراقة الدماء الطائفية المدمرة التي أودت بحياة مئات الأبرياء

انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا تجدد المخاوف الدولية بشأن حماية الأقليات الدينية
أعادت الانتهاكات الأخيرة لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا إثارة القلق الدولي بشأن سلامة الأقليات الدينية في ظل القيادة الجديدة للبلاد. ففي 9 أغسطس 2025، أفادت تقارير بأن قوات تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" استأنفت الأعمال العدائية ضد مجتمعات الدروز في محافظة السويداء، منهية هدنة هشة كانت سارية منذ منتصف يوليو.
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن قوات الهيئة شنت هجمات من قاعدتها في المزرعة مستخدمة أسلحة ثقيلة، بينما شاركت عناصر متطرفة متحالفة معها — من بينهم مشتبه بتعاونهم مع تنظيم داعش — في عمليات منسقة استهدفت قرى درزية.
ويمثل انهيار المساعي الدبلوماسية تصعيدًا خطيرًا لما تصفه منظمات المراقبة بأنه اضطهاد منهجي للأقليات الضعيفة في سوريا تحت حكم الرئيس أحمد الشرع. ووفق تقرير ميداني شامل أصدره "مركز المشكاة للدراسات"، فإن نطاق العنف يتجاوز بكثير الحوادث الفردية، ليشكّل ما يبدو أنه عملية إعادة هيكلة ديموغرافية منسقة للمنطقة.
توثيق حجم الدمار
تكشف الوثائق الميدانية عن حجم الحملة الواسعة ضد المجتمعات الدرزية في السويداء. ووفقًا لتقييم مركز المشكاة للدراسات، أسفرت العمليات العسكرية عن التدمير الكامل لأكثر من 36 قرية، مع إحراق واسع للمنازل ونهب منهجي للأسواق والبنية التحتية. وأكدت المنظمة مقتل 1,106 مدنيين على الأقل، فيما تشير التقديرات الميدانية إلى أن العدد الفعلي قد يكون أكبر بعدة مرات بسبب استمرار عمليات البحث في المناطق التي شهدت إعدامات جماعية.
وتسببت الأزمة الإنسانية في نزوح نحو 228 ألف شخص من القرى المتضررة في شمال وغرب محافظة السويداء، ما أدى إلى إفراغ مجتمعات بأكملها. وتبقى أوضاع النازحين بالغة السوء، مع الاكتظاظ الشديد في الملاجئ المؤقتة، والنقص الحاد في المياه نتيجة تدمير 98 بئرًا، وتعطّل الخدمات الأساسية بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي.
ويكشف استهداف البنية التحتية الحيوية عن نية منهجية لضرب مقومات بقاء هذه المجتمعات. فقد وثقت التقارير تدميرًا متعمدًا لصوامع الحبوب في أم الزيتون ومطحنة السرايا، وهما من المرافق الأساسية للأمن الغذائي في المنطقة. كما جرى نهب معامل الزيتون ومصانع الحجر ومحطات الوقود بشكل منظم قبل تدميرها، ما قضى على القدرة الإنتاجية والأسس الاقتصادية للمجتمعات المستهدفة.

تعاون بين القوات الحكومية والعناصر المتطرفة
تعكس الأزمة الراهنة مخاوف أوسع بشأن الطبيعة الحقيقية للقيادة الجديدة في سوريا تحت حكم الرئيس أحمد الشرع، الذي انبثق نظامه من تنظيم "هيئة تحرير الشام" المرتبط سابقًا بالقاعدة. فعلى الرغم من التصريحات العلنية التي تؤكد حماية الأقليات، تشير الأدلة الموثقة إلى وجود تنسيق منهجي بين قوات موالية للحكومة وعناصر متطرفة في استهداف المدنيين الدروز.
وأصبحت المرافق الطبية أهدافًا مباشرة، حيث تعرّض المستشفى الوطني في السويداء لهجمات أسفرت عن مقتل 22 من الكوادر الطبية، بينهم أطباء وممرضون وعاملون في الدعم الفني.
وتُظهر الأدلة المصورة من مناطق النزاع أنماطًا مروعة من الانتهاكات، تشمل الحلق القسري لشعر الوجه ذي الرمزية الدينية، إضافة إلى عمليات إعدام موثقة. إن حجم هذه الهجمات وتنسيقها أثارا قلقًا دوليًا متزايدًا بشأن احتمال وقوع تطهير طائفي، على نحو يذكّر بأساليب تنظيم داعش خلال فترة سيطرته الميدانية.

انهيار البنية التحتية وأزمة إنسانية
يتجاوز التدمير الممنهج حدود العنف المباشر ليطال استهدافًا شاملاً للبنية التحتية المدنية. فقد انخفضت القدرة الإنتاجية لشبكات المياه من 12 ألف متر مكعب يوميًا إلى 3 آلاف فقط، مع تدمير أو تعطيل 75% من مصادر المياه. ويؤدي هذا الاستهداف المتعمد لمنشآت المياه إلى خلق ظروف كارثية إنسانيًا، خاصة في ظل النزوح الجماعي للسكان المدنيين.
انهارت الخدمات البلدية بالكامل، حيث توقفت عمليات جمع النفايات، وتعطلت صيانة الطرق، وتوقفت الأنشطة الإدارية بما فيها تسجيل المواليد، والإجراءات القانونية، وتوثيق الملكيات العقارية. هذا الفراغ الإداري يعقّد جهود الاستجابة الإنسانية ويهدد استمرارية المجتمعات على المدى الطويل.
كما تم تفكيك البنية الاقتصادية بشكل منهجي، مع التوقف التام للأنشطة التجارية والصناعية والزراعية. وأدى انقطاع رواتب موظفي الدولة لأكثر من شهرين إلى تفاقم معاناة الأسر التي تواجه أصلًا النزوح وفقدان الممتلكات.
أصول القيادة المتطرفة والدعم الدولي
في قلب هذه الأزمة يقف أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، الذي شهد تحوّله من شخصية مصنفة إرهابية مع مكافأة أميركية على رأسه إلى رئيس لسوريا وسط شكوك دولية واسعة. ففي عام 2011، أرسل مؤسس تنظيم داعش أبو بكر البغدادي الجولاني إلى سوريا مع تمويل كبير لتأسيس "جبهة النصرة" كفرع سري لداعش، والتي بايعت لاحقًا تنظيم القاعدة.
يمكن رؤية الجولاني وهو يؤدي "قسم الموت" في المقطع المنشور أدناه على منصة X:
دعم تركيا وقطر وصعود الشرع إلى السلطة
لقد وفر دعم كل من تركيا وقطر لصعود أحمد الشرع إلى الحكم موارد حاسمة وغطاءً دبلوماسيًا مكّن من تثبيت سيطرته، رغم أن هذا الدعم انطوى على قبول ضمني لخلفيته المتطرفة والعناصر العنيفة داخل تحالفه. فقد قدمت تركيا تدريبًا ومعلومات استخباراتية ودعمًا لوجستيًا لقوات "هيئة تحرير الشام"، في الوقت الذي أبقت فيه على تصنيفها كمنظمة إرهابية، وهو ما يمثل تناقضًا سياسيًا واضحًا.
وفي الوقت نفسه، بدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، لكن الاضطهاد الممنهج للأقليات يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة النظام ونواياه الفعلية. وقد سلّطت شهادات حديثة أمام الكونغرس الأميركي الضوء على مخاوف من أن تحولات "هيئة تحرير الشام" قد لا تكون سوى تكتيكات مرحلية، وليست تحولًا أيديولوجيًا حقيقيًا.




